تاريخه مع الدولة السعودية:
عند قراءة تاريخ الدولة السعودية الأولى نجد دولة نشأت بسرعة هائلة و سارت بقوة للتصادم مع الولايات العثمانية باسم الدين و توحيد البلاد و تصحيح العقائد منذ أن تعاهد الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب مع الإمام محمد بن سعود –رحمهما الله و غفر لهما- . و بدأوا في تأسيس تلك الدولة المباركة التي وصلت حدودها إلى بلاد اليمن و دخلت عمان و ساحلها في رأس الخيمة كما نراها في الشمال قد وصلت إلى أطراف البادية الجنوبية للبصرة و الزبير و كذلك بادية الشام . فهي دولة آمن بها رؤسائها و متّبوعها لصدق ما آمنوا به ، و قد كان لهذه الدولة قواد و مريدين كبار بذلوا من أموالهم و أرواحهم و أرواح أتباعهم الكثير في سبيل نصرة هذه الدولة التي تنصر الدين أولاً و هذا ما جعل تلك الدولة تنشأ من حيث لا يعتقد أحد أن تنشأ دولة قوية لا تهاب خوض الحروب من أجل نصرة ما آمنوا به و عملوا لأجله . و يشهد لنا التاريخ المدون و المروي ما كان للأمير حجيلان بن حمد من دور كبير في إرساء قوائم هذه الدولة و نصرتها منذ دخلت إمارته تحت لواء الدولة السعودية و حتى مماته في سبيلها –رحمه الله- . فتذكر لنا تلك المصادر غزاوته و حروبه التي خاضها سواء لإخضاع القبائل كالشرارات و حرب أو لإدخال المناطق تحت الحكم السعودي كإمارة حائل و بلاد شمّر و كذلك الجهات الشمالية من الدولة السعودية و كان حجيلان هو من قد بدأ الحروب و الغزوات في بلاد حائل و الجهات الشمالية ثم في أقصى شمال المملكة و حدود الشام و كانت أول إحتكاك بين الدولة السعودية و تلك المناطق و قد دانت لهم كثير من أهل المناطق و القبائل هناك و أصبحت ترسل الزكوات خوفاً من عودتهم من بعض قبائل الشام(28) ، و كذلك كانت له حروبه و غزاوته مع الإمامين عبدالعزيز و سعود –رحمهم الله- و أمراء البلدان كما سيأتي .
و قد ورد في الأمثال النجدية : ( ما غزا قصيم ) . أي لم يغزو أهل القصيم . يريدون أن الأمر لم يتم ، و لم تؤخذ له أهبّته . و يقول الشيخ محمد العبودي : "و لاشكّ في أن هذا المثل انتشر أول ما انتشر في عهد إمارة حجيلان بن حمد لبريدة و توابعها من بلاد القصيم و بواديه ، فكان إذا غزا بمن يتبعه من أهل القصيم كان الغزو عظيماً متكاملاً قد تهيأت له أسباب النصر سواء انطلق ذلك الغزو وحده فكان غزواً قصيمياً محضاً أم انضم إلى القوة التي كانت مسيطرة على مقاليد الأمور في نجد"(29) . و لتلك الغزوات شواهد و أخبار لعلي أوردها لكم منفصلة.
و يتضح لنا من خلال الإطلاع على الوثائق المصرية مدى أهمية الأمير حجيلان بن حمد آل ابوعليان لدى المصريين و بالتالي حقيقة موقعه من الدولة السعودية . فنجد إبراهيم باشا يقول في رسالة بتاريخ 9/1/1233هـ ، تحت موضوع "كيفية الاستيلاء على بريدة" ؛ يقول : أن بريدة بادرتهم بالهجوم فقام هو –إبراهيم باشا- بتدمير أربعة أبراج و قتل خمسين رجلاً ثم سيطر على الأبراج الأخرى الباقية ، ثم اقترب من بريدة و بدأ بضرب المدينة بالقنابل حتى التمس شيخ بريدة حجيلان الذي هو "مستشار عبدالله بن سعود" الأمان(30) . و قد كان يأمل كثيراً في القبض عليه حيّاً كما في وثيقة أخرى مكتوبة بنفس التاريخ -9/1/ 1233هـ- (31) .
كما يقول إبراهيم باشا في وثيقة أخرى بتاريخ 15/2/1233هـ تحت موضوع "حصار قلعة الرسّ و اخبار تحرك عبدالله بن سعود" : (( .. مع إفادة أن عبدالله بن سعود لم يجترئ على الإقامة في عنيزة بل فرّ هارباً إلى قرية بريدة ، التي هي قرية زميله و كتخداه المدعو "حجيلان"))(32) . و "كتخدا" كلمة تركية تعني نائب القائد أو ما يرادفها .
و توجد في دار المحفوظات التركية وثيقة برقم 19701 بالعربية من ضابط (العلا) العثماني يخبر فيها والي العراق رواية عن والي المدينة أن بدو قبيلة حرب ذبحوا حجيلان و رجاله(33) . و هذه معلومة غير صحيحة و حماسة مصطنعة في نشر الأخبار خصوصا و أن المصدر من رجال بادية و قد يكون لها أكثر من سبب لسنا في معرض تحليلها انما تبين ما كان لحجيلان من وزن لدى الولاة العثمانيين و اهتمام بالتخلص منه . و ثابت عن الأمير حجيلان أنه توفي في المدينة المنورة عن عمر طويل .
غزوات الأمير حجيلان و أحداثه في مصادر التاريخ:
هنا نستورد من المراجع التاريخية النجدية الموثّقة الأحداث التي ذكرت و سجّلت للأمير حجيلان بن حمد وقائع و أحداث . و أود أن أشير إلى أن الأحداث قد تتباين بين مؤرخ و آخر إلا أنهم في الغالب نقلوا من بعضهم البعض فأولهم الشيخ حسين بن غنام و أشملهم الشيخ عثمان بن بشر و آخرهم ابراهيم بن عيسى و طبعا ليس فقط هم من كتبوا! انما نجد الكثير يكثرون من مراجعة هذه التواريخ تحديدا لشهرتها و شمولها . و هناك روايات شعبية تزيد من أخبار هذه الغزوات أو تصفها خصوصا في الفترة ما قبل أول ذكر للأمير حجيلان في التاريخ المدوّن . و سأسرد تلك الأحداث جنباً إلى جنب تحت أحداث السنة الواحدة مع توضيح بعض التفاصيل مما أعرفه:
سنة 1184هـ :
في هذه السنة وردت في التواريخ حادثة أخذ آل حسن –و معهم حجيلان بن حمد- إمارة بريدة من الامير راشد الدريبي و إخراجه منها . يقول ابن بشر:"و فيها سطو آل ابن عليان على راشد الدريبي في بلد بريدة و استولوا عليها"(34) .و قد وردت روايات اخبارية من بعض رواة بريدة عن هذه الحادثة تفصّلها و سُجّلت في بعض الكتب ، نوردها كما هي . يقول أحد الرواة من أهل بريدة (35) : (( انتدب للثورة على راشد الدريبي و قتله جماعة من آل حسن ، فاختاروا عشرة أو تسعة منهم على رأسهم شخص من العدوان ، فدخلوا في إحدى الليالي من احدى العراص في السور التي منها يخرج السيل إلى "نخل الشقيري" . و كان راشد الدريبي في قصره داخل البلد ، فلما وصلوا أحس فيهم البواب و لكنهم قتلوه فأحدثوا بعض الضجة أحسّ بها الدريبي ، فأطفأ النور الذي في مكانه ، و بينما هم صاعدين الى غرفته في القصر اختبأ في الظلام الذي يؤدي للطريق إلى أن تجاوزوه للبحث عنه في الداخل . فنزل من القصر مسرعاً و ركب فرسه و هرب من البلد)) (36).
مابين 1190هـ إلى 1196هـ :
في سنة 1190هـ قتل الأمير عبدالله بن حسن –امير القصيم بوصف ابن غنام-(37) مع الإمام عبدالعزيز في غزو لهم على آل مرة بمخيريق الصفا . بعد هذا التاريخ كما سبق أن وضّحت في فقرةٍ سابقة [تولي حجيلان للإمارة] عاد راشد الدريبي إلى بريدة و استولى عليها و يبدو أن حجيلان كان في الطرفية كما يروى . و بعد هذا اجتمع آل حسن و جماعتهم و امسكوا الدريبي و قتلوه . و يروي الشيخ محمد ناصر العبودي في نقله لرواية شعبية : (( و المعروف أن حجيلان بن حمد أخذ الإمارة من راشد الدريبي بذاته ، قتله و تولى مكانه في قصة طويلة قيّدتها بتفاصيلها كما رواها لي أبي رحمه الله عن عمّه عبدالله بن عبدالكريم العبودي وكان أدرك حجيلان في أول حياته . و ملخص قصة انتزاع حجيلان الإمارة من راشد الدريبي كما يرويها الإخباريون فيما يلي: اجتمع آل حسن و شيعتهم على قتل راشد الدريبي و انتزاع الحكم منه و بحثوا فيما بينهم عمن يترأسهم فأجمعوا على حجيلان بن حمد . فتواعد حجيلان مع آل أبي عليان الذين يناصبون الدريبي العداء و هم آل حسن و من يناصرونهم على أن يأتوا إليه في الطرفية حتى يسير بهم إلى السطو على راشد الدريبي . فساروا من الطرفية في أول الليل و أخذوا نعشاً و وضعوا عليه جذعاً من جذوع النخيل بحجم جسم الرَجُلْ و حملوه على النعش و غطوه بعباءة و حملوه على أكتافهم كما يفعل بالميت حتى وصلوا باب سور بريدة . فقالوا للحارس : افتح لنا معنا ميّت . فسألهم : من هو ؟ فقالوا : فلان من اهل المكان الفلاني الذين كان مرضه كذا و كذا . فظن الحارس أن هذا صحيح و فتح لهم الباب ببطء ليتأكد منهم . فلما أطلّ برأسه أسرعوا به و طعنوه ثم ساروا الى مكان قصر بريدة الذي كان يسمى (القلعة) و كان الدريبي يضع فيها خيله و قد عرفوا أنه ينام هناك خشية من أن يهاجمه أحد إذا عرف أنه بات في قصر الإمارة . فلما وصلوا إلى الباب أخذوا يضربونه بقوة فعلم الدريبي و أسرع يريد الهروب فكانوا له بالمرصاد . أمسكوه و قتلوه . و تولى حجيلان بن حمد أمارة بريدة )) (38).
------------------------
(28)تاريخ المملكة العربية السعودية ، عبدالله الصالح العثيمين ، ص176
)28(بلاد القصيم ج1 ص 92
(29)الوثيق محفوظة في دار الوثائق القومية –القاهرة . من وثائق الدولة السعودية الأولى ، عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم ، ص615-616
(30)المرجع السابق ، ص 612
(31)المرجع السابق ، ص 625
(32)تاريخ البلاد السعودية ، د/منير العجلاني
(33)تاريخ المملكة العربية السعودية ، عبدالله الصالح العثيمين ، ص176
(34)عنوان المجد في تاريخ نجد ج1 ص114 تحقيق عبدالرحمن آل الشيخ
(35)سليمان بن علي المقبل ،راوية وصفه الشيخ محمد العبودي بأنه اخباري حافظ.
(36) معجم بلاد القصيم ج2 ص504
(37) تاريخ نجد لابن غنام ص146 تحقيق د/ناصرالدين الأسد . كما ذكرها بعده ابن بشر في حوادث نفس السنة و ايضا الفاخري رحمهم الله جميعا.
(38)معجم بلاد القصيم ج2 ص509-5011
|