سنة 1196هـ :
حدث في هذه السنة حدث مهم بالنسبة لبريدة و للدولة السعودية الأولى ، فقد خلعت الطاعة للدولة اكثر من بلدة في محيط بريدة ، و كان هذا الحدث مهماً للمؤرخين بحكم انها خروج عن الطاعة بإجماع اكثر من بلد و قتل في هذا الحديث العديد من معلمي الدين و الأئمة . و لكن ثبت الأمير حجيلان -رحمه الله- كما أهل الرس و التنومة ؛ و أبلى بلاء عظيما في حصاره سعدون بن عريعر الشهير لبريدة مع اعداد كبيرة من الأعراب و لم يمكنهم الله من مرادهم . بل ظهر عليهم حجيلان و لحقهم ثم أجلى أهل الشماس إلى الشماسية و هدم البلد فهابته القصيم أجمعها و أرسلوا إليه يطلبون أمانه بعد أمان الله .
و قد عاصرها المؤرخ حسين بن غنام رحمه الله و أوردها بنصّ طويل في كتابه تاريخ نجد ، و قد أخطأ –عفا الله عنه- عندما ذكر أن من قتل رجلي الدين عبدالله القاضي و ناصر الشبيلي هم أهل القصيم و الصواب أن من قتلهما هو سعدون بن غرير الخالدي و انما أرسلوا له من قبل أهل القصيم . و قد أوردها ايضاً ابن بشر في حوادث سنة 1196هـ بنصه [ باختصار بعض الجمل] :
((و فيها أجمع أهل القصيم على نقض البيعة و الحرب ، سوى أهل بريدة و الرس و التنومة ، و قتلوا كل من ينتسب إلى الدين عندهم خصوصا المعلمين الذين يعلمونهم أحكام الشريعة ، و تعاهدوا أن كل أهل بلد يقتلون من عندهم في يوم معروف ، و لم يشعر بذلك أحد ، فلما مضوا إلى بلدانهم أرسلوا إلى سعدون بن عريعر يخبرونه بذلك و استحثّوه بالقدوم عليهم ، فبادر في الحال و أمر بالرحيل و استنفر العربان فأقبل بجنوده فحين قرب من القصيم ، قام أهل كل بلد و قتلوا من عندهم من العلماء المعلمة ، فقتل أهل الخبرا إمامهم في الصلاة منصور أباالخيل و ثنيان أباالخيل ، و قتل آل جناح رجلاً عندهم من أهل الدين و الصلاح ضرير البصر و صلبوه بعصبة رجله و فيه رمق حياة ، و قتل آل شماس أميرهم علي بن حوشان و فعل أهل البلدان ذلك الفعل و أقبل سعدون بعدده و عدته ، و جمع جموعاً من بني خالد و غيرهم و استنفر الظفير و عربان شمر و من حضر من عربان عنزة فأقبلت تلك الجموعو و نزلوا بريدة ، و أحاطوا بها و بادر منهم رجالاً للقتال فظهر بهم أهل البلد و قتلوهم و أرسلوا رؤوسهم ألى سعدون فامتلأ غيظاً و غضباً . و قال ان ظفرت بأهل هذا البلدة قطعتهم إرباً إربا ، و حين نزل بريدة أرسل إليه أهل عنيزة على سبيل الإكرام و الإمتثال من كان عندهم من أهل الدين و هما عبدالله القاضي و ناصر الشبيلي ، فقتلهم سعدون صبراً ، و نالوا شهادة و أجراً . ثم إن سعدون لما رميت الرؤوس بين يديه ، زحف على البلد بجنوده و حصل بينهم قتال شديد فلم يحصل على طائل ، ثم ساروا يوماً آخر على السور و راموا الصعود عليه و هدمه ، فقاتلهم أهل البلد أشد القتال عنده فانهزموا عن السور و تركوا قتلاهم ، ثم رأى سعدون أن يسوق آلاته و جموعه و يهدمون سورها و بروجها ، فأقبل بكيد عظيم و ساقها عليهم وقت الصباح فرجعوا و لم يحصلوا على طائل . فتحسر سعدون على ذلك و أرسل إلى أعوانه من اهل القصيم و غيرهم يشاورهم فيما يكيد فيه لأهل بريدة ، فاتفق رأيهم أن يعمل مدفه كبير يهدم به السور ، فجمع له أعوانه من أهل القصيم كثيرا من آنية الصفر و النحاس ، فقاموا يعالجون صبّ المدفع و صنعته فكلما أرغوها في قالب خبت ، و كما أوقد عليها النار فسدت . ففسد عملهم و لم يتم لهم أملهم فقاموا يراوحونهم و يغادونهم القتال و النصر لأهل بريدة في زيادة . و في أثناء هذه الحرب بنى سعدون قصراً قريبا من البلد و أتمه ، و جعل فيه رجالاً من قومه ، فانتدب إليه رجال من أهل البلد فهدموه و قتلوا أهله ، و في أثناء تلك المدة أغار سعيد بن عبدالكريم أمير الرسّ و رجال من بلده على سارحة سعدون . فأخذوا غنم سعدون و هي أربعمائة ، ثم عدا رجال من أهل بريدة على بيت من الشعر جعله عبدالله بن رشيد رئيس عنيزة للحرب فأخذوه و جروه و قتلوا فيه أربعة رجال ، و كان رئيس بريدة يومئذ و المقوم لهذه الحرب و الثابت في هذا الضرب و الكرب؛ حجيلان بن حمد من رؤساء آل أبي عليان ، فتحقق من ابن عمه ورجال معه [ ممالئتهم لسعدون و أهل القصيم على ما وقع منهم ] فأرسل إليه و ضرب عنقه . فلما قتله ثبت أهل البلد . و اتّفق أهل بريدة على الثبات و الحرب , ، فلما مضى خمسة أشهر ، و ضاقت صدور العربان و المحاربين ، عزموا على اقتحام البلد فصنعوا عجلا من الخشب يريدونه وقاية عن الرصاص لمن يمشي خلفه ، و ساقوه إلى مرقب البلد ، و في المرقب من أهلها عشرة رجال . فاجتهدت تلك الجنود ، في وصول العجل ، و لم يجدوا إلى ذلك سبيل ، فرجعوا به.
ثم فيها حمل سعدون و جموعه على البلد حملة هائلة و ساقهم إليها ، فحصل عند السور و البروج من القتال و الازدحام أمر عظيم ، و قاتلهم أهل البلد قتالاً شديداً و ردوهم على أعقابهم و قتل منهم عدة قتلى فداخلهم بعد ذلك الفشل وهموا بالرحيل . و ذكر لي أن حجيلان تزوج في آخر الحصار ، فلما سمع سعدون ضرب الدفّ سأل عنه ، قيل له : أنه مضروب لعرس حجيلان فعند ذلك ، ارتحل هو و جنوده و تفرق أهل القصيم إلى بلدانهم و خرج حجيلان على أثرهم بأهل بريدة إلى بلدة الشماس ، و قتل من وجد فيها و هرب أهله ، فانزعجت قلوب أهل القصيم بعد ذلك . فأرسلوا إلى حجيلان و طلبوا منه الأمان ، و طلب عليهم النكال من الأموال و السلاح ، و صبروا بذلك ، و وفد عليه رؤساء بلدانهم ، و كان حجيلان من أشد الناس حمية لأهل بلدانه ، مع محبته لأهل هذا الدين و شدة نصرته له و لأهله)) (39). و قد تزوج حجيلان أثناء الحصار كما ورد في حديث ابن بشر(40) -و كانت زوجته الثانية لولوة بنت عبدالرحمن العرفج الشهيرة بالعرفجية- .
ثم في نفس السنة و بعد حصار بريدة يذكر ابن غنام(41) و ابن بشر(42) رحمه الله خروج رجال من بريدة في اثر سعدون بن عريعر فوافقوا قافلة معها هدم ظاهرة من الشمال رئيسهم النفيش فوافقهم بأرض المستوي فاخذوا اموالهم و قتلوا رجالهم و كان معهم مال كثير لأهل المدينة فأمر الإمام عبدالعزيز برده إليهم .
و كان لهذا الصمود أمام الحصار ثم اخضاع المناطق التي خلعت الطاعة أثراً كبيرا في تثبيت سلطة حجيلان . فقد علا نجم حجيلان و ثبت أمره كقائد سعودي حتى أنه استطاع أن يوصل الرايات السعودية إلى سوق الشيوخ(43) ثم تعرض بعد ذلك لغزو المنتفق و واصل هذا الرجل غاراته شمالاً فأخضع شمّر و عرب الشرارات و وصل إلى بادية الشام(44).
سنة 1200هـ :
ورد في هذه السنة أن حجيلان بن حمد –رحمه الله- غزا إلى ناحية جبل شمّر فذكرت له قافلة خارجة من البصرة و سوق الشيوخ إلى نجد فأسرع السير حتى وصل إلى بقعا(45) فرصد لهم فيها فوافقها و معها كثير من اللباس و القماش لأهل الجبل و غيرهم فأخذها و قتل من الحدرة قتلى كثيرة (46).
سنة 1201هـ :
يقول فيها ابن غنام –رحمه الله- : (( و في أول هذه السنة ، في المحرم ، سار ثويني بن عبدالله(47) بجيوشه الكثيرة و معه من العدد و العدة ما يفوق الحصر ، و تجهز بالمدافع و البنادق و القنابل التي تدكّ الحصون و الأسوار و اتجه إلى نجد يريد محاربة المسلمين )) . إلى أن قال : (( و اتجه منها – من التنومة- إلى بلدة بريدة ، و ناوش أهلها الحرب ، و همّ بأن ينزل بأهلها بطشه لولا ما أتاه من أن اضطرابا قد حدث في بلاده بعد خروجه منها ، فاضطر إلى أن يرجع إليها و أن يفكّ حصاره عن بريدة))(48).
و ذكرها ابن بشر ايضا (49) . و ذكر أن عدد أحمال زهبة البنادق و المدافع و آلاتها بلغت سبعمائة حمل . و من المحتمل أن القافلة التي هاجمها حجيلان في العام السابق كانت تحت حماية المنتفق(50).
هنا يقول الدكتور عبدالله الصالح العثيمين: و لقد كان لحجيلان بن حمد دور كبير في تثبيت الحكم السعودي في القصيم و ادخال جهات من شمالي نجد تحت ظل هذا الحكم فقد رأس سنة 1200هـ حملة عسكرية اتجه بها إلى جبل شمّر و كان مما قام به هناك أن رصد في بقعاء لقافلة تجارية قادمة من العراق ، وقتلوا عدداً من رجالها ، و أخذوا ما كان معها من بضائع لأهل الجبل .و كان الإنهاك الإقتصادي من الأساليب الناجحة التي اتخذوها لإرغام خصومهم على الإستسلام لهم . و يبدو أن إدراك زعماء الجبل لقوة الدولة السعودية و اقتناع بعضهم بصحة مبادئها من الأمور التي جعلت غزو حجيلان لتلك الجهة بعد حملته الأولى بسنة يؤدي ثماره المرجوّة . ذلك أنه لم يعد من هناك إلا و قد دخل إقليم جبل شمّر تحت طاعة آل سعود(51).
يقول ابن غنام رحمه الله في أحداث هذه السنة : و فيها غزا حجيلان بأهل القصيم و من حوله من العربان و قصد أهل الجبل(52) و أقام فيه مدة أيام و ليالي فقدم عليه أهالي كثير من بلدان ذلك الوطن و عاهدوا على الإسلام ، و من أعرض عن ذلك تصدى حجيلان لحربه ، و أخذ على من امتنع أموالاَ حتى أطاعوا للتوحيد ، و لم يشد حجيلان للسير عنهم الرحال حتى تلقى جميعهم الإسلام بأحسن استقبال(53).
و قد أوردها ابن بشر أيضاً .
-------------------------------
(39)عنوان المجد ج1 ص146-149
(40) و لها قصة شهيرة في أخذ ثأر ابنها من قتلته أبناء عمومته
(41)تاريخ نجد ، ص156
(42)عنوان المجد ج1 ص 150
(43) بلدة في العراق قرب الناصرية و شمال الزبير لآل سعدون مشايخ المنتفق، و قد كانت من مهاجر العقيلات الشهيرة كما الزبير و البصرة و بغداد و دير الزور و دمشق و عمان و غزة و مصر.
(44) العقيلات نجديون وراء الحدود . ص43 . عبدالعزيز ابراهيم
(45)موقع معروف في بلاد حائل
(46)قاله ابن بشر ، عنوان المجد ج1 ص157 و ذكرها قبله ابن غنام في تاريخ نجد ص163 بتفاصيل مشابهة
(47)ثويني بن عبدالله بن محمد بن مانع آل شبيب . من مشايخ المنتفق
(48) تاريخ نجد ص164
(49)عنوان المجد في تاريخ نجد ج1 ص 158 تحقيق عبدالرحمن آل الشيخ
(50) تاريخ المملكة العربية السعودية ج1 ص166
(51) تاريخ المملكة العربية السعودية ج1 ص118
(52) الجبل يعني جبل شمر . حائل و ما حولها .
(53)عنوان المجد في تاريخ نجد ج1 ص160
|