الموضوع: فتح الإسلام ..
مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 27-06-2007, 06:47 PM   #19
الصباخ
هوية صامتة
 
صورة الصباخ الرمزية
 
تاريخ التسجيل: May 2003
البلد: Buraydah City
المشاركات: 12,458
عن شاكر العبسي و«فتح الإسلام»

قبل أسابيع طويلة، وحين برز اسم فتح الإسلام وشاكر العبسي للمرة الأولى، ظننت أنني إزاء تشابه أسماء ليس إلا، قبل أن أتأكد أن الرجل المعني هو ذاته الذي أعرفه، وأتذكره قبل أن يغادر إلى تونس من أجل دراسة الطب في العام 1973 بمنحة من منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت توفر أغلب منح الدراسة لأبناء اللاجئين في ذلك الوقت.
لم يكمل شاكر دراسته في تونس، هو المأخوذ بالنضال الوطني، إذ ما لبث أن سافر إلى ليبيا ليغدو طياراً تابعاً لحركة فتح، وصولاً إلى الانشقاق عام ,82 وانتهاء بانشقاقه عن المنشقين (فتح الانتفاضة) قبل عام واحد إثر مشاحنات مع ''أبو خالد العملة''.
شاكر العبسي هو أولا ابن قريتنا الفلسطينية المدمرة ''الدوايمة''، وهي من قرى مدينة الخليل، وقد شهدت مذبحة في العام ,1948 ذهب ضحيتها أكثر من خمسين رجلاً قتلوا بدم بارد بعد اعتقالهم، ولم تفتضح فصولها للعالم إلا في الثمانينات من خلال شهود من الصهاينة.
شاكر ولد كما هو حال كاتب هذه السطور أيضاً، في مخيم عين السلطان القريب من مدينة أريحا، حيث فر أكثر أبناء القرية بعد احتلال العام ,1918 ثم من سكان مخيم الوحدات التابع للعاصمة الأردنية عمان التي هاجر إليها جزء من أبناء القرية بعد احتلال العام ,1967 وقد كنا أبناء حارة واحدة.
ليست هذه سيرة ذاتية لكاتب هذه السطور ولشاكر العبسي، لكنها محاولة للاقتراب من الرجل وتنظيمه، فهو فيما أذكر ''كان أكبر مني ببضع سنوات'' لم يكن متديناً، وبحسب شقيقه الموجود في عمان لم يتدين إلا في النصف الثاني من التسعينات، قبل أن يتعزز تدينه خلال الألفية الجديدة.
من هنا يمكنني القول إن العبسي هو جزء من ظاهرة التدين ''المقاومة'' في طبعتها الأخيرة، والتي جاءت بإلهام من المقاومة الإسلامية، سيما حماس في فلسطين والطبعة الجهادية لأسامة بن لادن، وكان أن أنتجت جملة من الظواهر الجهادية الفردية (ظاهرة المتطوعين العرب إلى العراق قبل الحرب)، فضلاً عن الظواهر الجماعية (مجموعات الجزيرة العربية والعراق والمغرب والجزائر وسواها).
قد يرى البعض أن شاكر لم يكن بوسعه الخروج بطبعة فتح الإسلام من دون دعم خارجي، وقد يكون ذلك صحيحاً بشكل من الأشكال، لكن الأفق السياسي لمثل هذه المجموعات ليس واسعاً بحيث يستوعب موازين القوى على نحو صائب منذ البداية، وإن أخذت في اكتشافه مع الوقت.
في البداية يمكن القول إن السوريين قد أرادوا لهذه الظاهرة أن تنمو، وذلك حين استهدفوا بالتحجيم خصمها (أبو خالد العملة)، ولو سأل البعض عن السبب، فالجواب هو أن السوريين معنيون بإثارة الفوضى في لبنان كي يقتنع جماعة الأكثرية، وعليهم أن يقتنعوا بالفعل، أنه لا استقرار في لبنان من دون أن يجلسوا على الطاولة ويتفاهموا مع الشقيقة الكبرى.
عند هذه النقطة تتوقف علاقة السوريين بفتح الإسلام التي تستقر في مخيم نهر البارد الذي يحب رجالها على نحو استثنائي، وليدخل على خطهــا تيار الحريري، والسبب هو حاجة هذا الأخير إلى مجموعات تعزز الشحن الطائفي ضد الشيعــة، وثمة معلومات حقيقية عن عرض قــدم للعبسي قوبل بالــرفض من طرفه يتمثل في استهداف الشيعــة مقابل دعم كبير.
على أن ذلك لم يكن هو السبب خلف ما جرى مؤخراً، إذ إن التحليل الواقعي يقول إن الأميركان هم الذين ضغطوا في اتجاه استهداف هذه المجموعة بعدما تبين لهم قربها من القاعدة، فضلاً عن قيامها بتدريب شبان يذهبون لاحقاً إلى العراق، وهو ما أفضى إلى ترتيب واقعة الاشتباك بين الجيش وعناصر التنظيم، ومن أجل ذلك كان العبسي واضحاً بقوله إن الذي استهدفنا واستهدف الجيش الواحد، وهو طرف ثالث، لكنه لم يشأ التصعيد، كما أن كلامه لم يخل من رسالة لحزب الله مفادها أن هناك من طلب منا العمل ضدكم، لكننا وعموم أهل السنة في لبنان لن يكونوا إلا رأس حربة في مواجهة اليهود والأميركان. وهي رسالة أيضاً لجميع الذين وقفوا ضد التنظيم تعاطفاً مع ضحايا الجيش.
في ضوء ذلك ترتبك أوراق المشهد على نحو أكثر تعقيداً من ذي قبل، ومن بينها المواقف الفلسطينية التي أخذت تتخلص تدرجياً من عقدة الذنب حيال ضحايا الجيش لتهتم أكثر بمصير المخيم (نهر البارد) اللهم باستثناء مواقف ممثل فتح، سلطان أبو العينين المثيرة؛ هو المعروف بعدائه للإسلاميين، بدءً بحماس والجهاد، وليس انتهاء بفتح الإسلام.
في ضوء هذا المشهد المعقد لا يعرف كيف ستنتهي الحكاية، سيما أن ''الحريصين'' على هيبة الدولة والجيش يرفضون خروج عناصر فتح الإسلام، ويصرون على اعتقالهم ومحاكمتهم، الأمر الذي سيرفضه هؤلاء، وحين يكون الموقف على هذا النحو فإن مشهد القتال قد يتجدد ومعه معاناة المخيم ومن تبقى فيه، لاسيما أن منهم من يصر على البقاء بصرف النظر عن النتيجة.
هذا الإصرار العبثي على تحقيق انتصار استعراضي من قبل جماعة ''الأكثرية'' في لبنان لا يختلف عن الإصرار على مطاردة الثأر مع سوريا حتى لو كان الثمن هو تدمير لبنان. لكن ذلك كله لا ينفي أننا إزاء مشروع نبيل، لكنه حالم اسمه فتح الإسلام، كان من الطبيعي أن يصطدم بالواقع المعقد على الأرض، لأن فلسطين لن تتحرر من مخيم نهر البارد، والدفاع عن أهل السنة في لبنان لا يمكن أن يتم رغماً عنهم.

* ياسر الزعاترة
* كاتب فلسطيني
__________________

الصباخ | Buraydah City

الصباخ غير متصل