فيما بعد عام ( 1988م ) ، وفي جبال عالية ، حيث البرد القارص ، والخوف هناك ، فلا أنيس معه إلا ( هي ) تسير معه أينما حل ، وحيثما كان ، وحيثما ارتحل ، حتى في صلاته لا تفارقه ، لكِ الله .
...
كان يقضي ليله في صلاته وقراءة قرآنه وتقبيلها .
كان يعتقد أنه يتعبد الله في تقبيلها كيف لا ، بل هو يجزم أن أجرها كأجر صلاته وقراءته للقرآن .
...
وكان نهاره يقضيه في النوم وفي الترقب فالعدو يبحث عنه وعنها ، فهم لايرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة .
...
في وقت المغرب ، وبعد أن انتهى من صلاته فريضة ونفلا ، بدأ بالاستغفار والتهليل والتكبير والتحميد ، فلما انتهى
سمع صوتاً من بعيد ، حسَّ كأنه يخيل إليه ، لكن المعاينة قد أنهت الموقف فلا مجال لخيال أو شك فاليقين أمامه ظاهر
التفت إليها ثم ضمها ضمةً إلى صدره ، وبدأ في تقبيلها ، ثم أبعدها قليلاًً ثم بدأ يوصيها وصية ظن أنها وصية مودع
( ياحبيبتي اليوم يومك ، أرجوك لا تخذليني ، أكرميني ولا تهينينني ، فالعزة العزة ، والكرامة الكرامة ، فإما نصر وإما شهادة ) .
...
كانت الفلول قد وصلت وأيقن بالهلاك غير أنه في موقع الصدر والله قد قدر له إحدى الكرامتين ، وإخوانه من خلفه فإما أن يهلك دونهم ، وتعتز العقيدة ، وإما الفرار ، ويُقتل الأصحاب ، وتهزم العقيدة ، لا مناص فالخيار الأول فيه الخيرية .
...
مسك بحبيبته واضعها بين يديه وأمسكها بإحكام ثم ضغط عليها ضغطة وبدأ بالتقدم إلى تلك الفلول ، الجثث تتساقط ، الرؤوس تتطاير ، القلوب وجلة ، والوطيس قد حمي ، وبعد أن أثخن في العدو أتته رصاصةً استقرت في قلبه ، فزُف الشهيد .