مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 30-06-2007, 07:01 PM   #26
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 7 ]

سفر العزاب ... حِكمٌ وآداب !

أكتب هذه الحلقة ورأسي يدور من التعب والإجهاد ، أكاد أبغض مناسبات الزواج وما يسبقها وما يعقبها من حفلات و اجتماعات ، لأن الفرحة فيها والأنس والمتعة تنحصر للنساء وللأطفال ولكبار السن من الرجال ، أما الشباب من أمثال صاحبكم فعليهم التوصيل ، والمتابعة ، والارتباط المزعج ، وقلة النوم ، والتعب لأجل متعة الغير ، ثلاثة أيام لم أذق – بحق – طعم الراحة في مدينة الخفجي ، من عرس إلى مناسبة ، ومن وليمة إلى حفلة نجاح ، ويا ثائر وصل فلانة ، ويا ثائر وصل علانة ، و تعال بعد ساعة ، وتأخر كمان ساعة ... أصبحت متعهد توصيل ، الله لا يبتليكم !!

وصلنا في الذكريات إلى سفري مع صاحبَي محمد ( طالب الشريعة ) ونايف ( زميلي في اللغة العربية ) متوجهين إلى ( بريدة ) لنبدأ العام الدراسي الجديد 1424 – 1425 هـ ، وكان الطريق – كما ذكرت لكم – ينطلق من مدينتي ( رفحاء ) إلى ( حفر الباطن ) ... إلى ( الزلفي ) .. إلى ( بريدة ) ، طول الطريق 750 كيلا تقريبا ، ويستغرق قطعه ستة ساعات إلى ثمانية ساعات ، إنها – لا شك – مسافة كبيرة ، ووقت طويل ، وكان الطريق خطيرًا في ذلك الوقت ، خصوصًا يومي الأربعاء والجمعة حيث الازدحام المزعج جدا .. والخطير جدا ، وكم من مرة كدنا أن نهلك فيها لولا فضل الله – تعالى - علينا .

وفي الأربع سنوات الماضية تكونت لدي ثقافة لا بأس بها عن سفر العزاب من الشباب ، فلسفرهم آداب وواجبات يجب أن يعيها من يهتم ، وقد استوعبتها – بحمد الله تعالى – وحفظتها ، لأنك إن لم تعمل بما تتضمنها هذه الآداب فالنقد مصيرك ، ومع الأسف الشديد .. ربما يُعلن هذا النقد في المجالس صراحة ( أي : غيبة ) أو بالتلميح المقارب للتصريح .

غير أن الذي يبتغي الرقي بنفسه لا يهتم كثيرًا بمسألة الخوف من النقد السلبي ، بقدر ما يطمح إلى السمو بنفسه في جانب الأدب والأخلاق .. والرجولة .

أما أنت أيها السائق فلا تتأخر عن صحبك أبدًا حين الموعد ، بشكل عام .. لا تكن سبب تأخرهم عن مقصدهم ولو لم يكن لهم في مقصدهم ما يستلزم عدم التأخير ، لا تقلقهم بتأخرك عن الموعد ، وإذا تأخرت – لسبب لا يحتمل تأجيله أو رده – فاذكر لهم حقيقة الأمر .. واعتذر .

ولا تستفز مشاعرهم بالإبطاء في سيرك ، ولا تخيفهم بالسير بجنون ، ففي سرعة الاعتدال ( 120 – 130 ) قطع لسبيل محبي السرعة ، ولمحبي البطء .. وإرضاء قطعي لكل الأطراف ، قبل سنتين وبسيارتي الحالية ( مرسيدس بنز موديل 90 ) ، تحديدًا عام 1425هـ في الفصل الثاني ، كنت أسير بسيارتي من ( بريدة ) إلى مدينتي ، وقبل أن أصل ( حفر الباطن ) حيث الطريق السريع ، زدت سرعة سيارتي ( وكنت من أرباب السرعة الجنونية ) حتى بلغ العداد 230 كيلو / ساعة ، صِحَابي هم محمد ونايف وآخران من الشباب الكبار في الجامعة ، أمير الرحلة شاب يكبرنا في السن ، كان راكبًا بالمقعد المجاور لي ، وألح علي عدة مرات بأن أخفف السرعة ، لكنني لا أستمع لكلامه ، بل أرد بأننا يجب أن نستغل الطريق الواسع المزدوج لكي نسرع ونختصر الوقت ، حتى أغضبته وأمسك بكتفي بغضب وهو يردد : يا أخي خفف السرعة الله يهديك . لكنني أعيد نفس الرد عليه ... ولما اقتربنا من حفر الباطن تقريبا ، وفي منعطف خطير بعض الشيء انفجرت العجلة الخلفية من جهة السائق بعنف ارتجت لها السيارة ، والتي أحمد الله تعالى أنها كانت ( مرسيدس بنز ) لأن هذه السيارات ثقيلة ، فإذا انفجرت إحدى العجلات رمت السيارة بثقلها إلى الأسفل ، وكأنها تفترش الأرض . ثبتّ يدَي على المقود ، وتركت الضغط على البنزين تماما ، وبحمد الله تعالى وستره أحكمت السيطرة عليها بعدت أن كدنا نهلك ، والشيء الوحيد الذي كنت أفكر فيه وأنا أقود السيارة لأقف بها بجانب الطريق هي ردة فعل الشباب ، وخصوصًا أميرنا .. أوقفت السيارة ثم التفتّ نحو الشباب مبتسمًا بقلق قائلا : صلينا العصر يا شباب .. ولكم أن تتخيلوا الموقف بعد هذه الجملة !

مسجل السيارة ... مشكلة ، مابين شاب يكره النشيد نهائيا ويحب المحاضرات ، وآخر يكره المحاضرات والنشيد ويحب سماع القرآن ، وآخر يحب سماع النشيد والمحاضرات لكنه لا يحب سماع القرآن – مع الأسف .. ربما - ، و آخر يكره المسجل ... بين هذا كله أضيع أنا وما أحب نهائيًّا ، خصوصًا حينما يركب معي مجموعة تختلف ميولها ، وخصوصًا أيضا عندما يأتي أحدهم بشريط لا يرغب به الآخرون ويستأذنك لسماعه . أما أنا فلا أبالي أسمعت محاضرات أو قرآن أو أناشيد .. لا فرق ، المهم ألا ينزعج الصاحب في السفر . هذه المشكلة حلها يكون بالتصور ثم التصرف بعدل وصراحة ، وليغضب بعدها من يغضب . فمثلا ركب معي شاب محب للنشيد ، وآخر للمحاضرات ، وآخر للقرآن ، وآخر يكره المسجل ، هنا .. سواء كان أصحاب الأطراف داعين لميولهم أم لا ... لا يهم ، إذ سأجعل من نفسي ممثلا لجميع الأطراف ، وأستقطع وقتًا للجميع ، وهنا تظهر مشكلة أخرى ، فحين يستمع محب المحاضرة لما يحب وجميع الرفاق يستمعون معه بسكون واحترام ، تجده حين تشغيل النشيد أو القرآن يطفئ المسجل بحجة الحديث ، أو تجده يتكلم أثناء تشغيل الشريط ، وهنا .. يأتي دوري لأبين له حقنا في سماع ما نرغب باستماعه ، ليس بأسلوب جاف ، وإنما بأسلوب المزح والدعابة ... وهكذا . من يقرأ هذه الفقرة يظن أنني أبالغ أو أتكلف في الكتابة عنها ، لكن أربعة سنوات تخللها عشرات الأسفار تكفي للكتابة عن مثل هذه الأمور كما هي ، للتصور الذي أحمله عنها ، وفي الحقيقة .. مع أن هذه الكتابة قد تحمل – بنظركم – شيئا من التكلف ، إلا أنها واقع ، والتعامل الذي ذكرته نتعامل معه تلقائيا تمامًا ، والأخذ والرد في واقع هذه الأمور يكون عادةً منا لا نستغرب منها كتصرفات ، وكم من أمور اعتدنا على التعامل معها بتلقائية ، لكننا نستغرب منها حين نجد وصفا كتابيًّا لها ، كما في موضوعي ( أنا .. ولغة الأعين ) ، وأفضل منه موضوع الكاتب الرائع كرمع .. ( صورتي الشخصية .. وسط أناس آخرين ) .

من الأفضل للسائق ألا يمر بأصحابه إلا وقد انتهى من تغيير الزيت وتعبئة البنزين ، لكي لا تؤخرهم أو تحرج معهم ؛ لأن الشباب في السفر لا بد أن يدفعوا لتعبئة البنزين ، وأن يشتروا من الجمعية ( السوبر ماركت ) المشروبات والملهيات للطريق ، رضي السائق بذلك أم لا . ولذلك كنت – لأنهي هذا الجانب تمامًا – أقوم قبل المرور عليهم للسفر بتغيير الزيت ، وتعبئة البنزين ، وشراء كل ما يلزم للسفر من الجمعية من ماء ومشروبات غازية ومكسرات وبطاطس ونحوها ... ، ربما قد يستغرب البعض من هذا التعامل الذي يحدث بيننا في السفر ، لأن هؤلاء قد يكون لهم تعامل مختلف فيما بينهم ، كالقيام بدفعة مالية ( قطّة ) من قبل جميع المسافرين ، أو أن البنزين على السائق ، والملهيات على الصحبة ... ونحوها ، وكل هذا لا بأس به ، ولا اختلاف عليه ، ولا يثير لدي أي نوع من الانتقاد ، على عكس البعض الذي يمجدون أفعالهم على حساب أفعال غيرهم ، وهذا خطأ ، لأن كل واحد منا أو مجموعة منا أو إقليم منا له طبعه وعاداته .

التفاتة لجانب الصحبة في السفر ، أستحضر فيها العديد من المواقف التي تعينني على رسم الصورة المثالية للتعامل مع رفيق السفر ، فرق بين مصاحبة أصدقاء لك تعرفهم منذ سنوات ، ومصاحبة مجموعة لا تعرفها ، ولا يعرف بعضهم بعضا .. وهنا موقف طريف ، قبل سنة تقريبًا سافرت بسيارتي المرسيدس من ( بريدة ) إلى مدينتي ، وصحبت معي أربعة أشخاص ، لا أعرفهم ، ولا يعرف بعضهم بعضا ، والمصيبة أن كل واحد منهم غارق في الصمت ، ولولا الحياء والخجل ؛ لانفجرت ضاحكًا أمامهم ، لطرافة الموقف ، ولكم أن تتخيلوا حالي معهم ، أسأل سؤالا طويلا ، ثم أجاب بكلمة واحدة ، وأحكي حكاية طريفة فأقابل ببسمة سرعان ما تخفت ، ونعود إلى السكون ، ولولا أبا عبدالملك ، وأحمد أبو خاطر ، وأبا علي ، ومحمد المنجد ، وعبدالباسط ، والشاطري ... لقتلت نفسي .

أكثر المواقف إحراجًا هي عندما تنفرد للسفر مع صديق حبيب وخاص ، وفي اللحظات الأخيرة ، وأنت في بداية الطريق ، يأتيك اتصال هاتفي من شخص لا تعرفه أبدًا ، سوى أنه من طلاب الجامعة من مدينتك .. فقط ، لتنقطع متعة الانفراد مع صديقك نهائيا ، وقد حدث هذا معي ؛ إذ كنت في سفر مع صديق حبيب ، ممن زالت الكلفة بيني وبينه ، طالب علم تقي موفق .. أحسبه كذلك والله حسيبه ، خفيف دم كما يقال . أخبرت الشباب بسفري ، لكن لم يرغب بالسفر إلا صاحبي هذا ، وفي ساعة الانطلاق ، دخلنا طريق الرياض السريع ، فتلقيت اتصالا من شاب لا أعرف إلا اسمه ، وأخبرني أنه يرغب بالذهاب معي ؛ فقلت : حياك الله ، أنا قد دخلت في طريق الرياض السريع . فأخبرني أنه سيصل مع صاحب له ، فانتظرته وأخبرت صديقي الذي غضب وعبر عن غضبه بتطبيق يديه الكبيرتين على عنقي وهو يصرخ : " ما تعرف تصرف .. ما تعرف تقفل جوالك .. ؟! " بكل صراحة – وأظنكم توافقوني – أنا أحب أن أنفرد مع صاحبي في السفر ، لكن مساعدة شخص مسلم ومن مدينتك كذلك أهم بكثير من هواك ، وأبغض شيء عندي هو أن يذهب أحد الشباب بسيارة واسعة ثم تجده لم يخبر أحدًا بسفره ، وأبغض منه من تَعْلم بأنه سيسافر فيخبرك بألا تخبر أحدا بسفره ، لأنه لا يرغب بصحبة أحدهم .. كذا !! وتجد أن هناك الكثير من الشباب يعتمدون – بعد الله تعالى – على أخوتهم في الله ليزوروا أهلهم وأحبتهم .

ويبقى السفر مع الأخوان والخلان والأحبة من متع هذه الدنيا ، فيه يُختبر الرجال ، ويتعلم الإنسان شيئا من تجارب هذه الحياة ، ويستخرج من صحبة الناس العبر والعظات ، ولولا أنني بلغت في كتابة هذه الحلقة أربع صفحات لعرضت الكثير مما في ذاكرتي .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل