[ 8 ]
مع السنة الجامعية الأولى !
1424 – 1425 هـ
ومع السنة الأولى في المرحلة الجامعية ، وهي السنة الجامعية الوحيدة التي أرى أيامها ، وأنظر لأحداثها ، كصفحة الكف حين بسطها ، ففيها وجدت سعادة عشتها في وقت مضى ، وأبحث عنها منذ ثلاثة سنوات ، حيث وجدت فيها الصلاح والإيمان في بيئة مريحة بعض الشيء ، وفي نظري .. أن الصلاح في البيئة التي تجدك فيها مرتاح البال ، خاليًا من الهم ، فارغًا من التوتر والغم ، خير منه في بيئة فاض عليك الألم من عيشها ، مهما ولّد عليك هذا الألم من ميل إلى محاسبة النفس والرجوع إلى الله – عز وجل - ، وفي الصباح والمساء يسأل الصالحون الله - تعالى – العفو والعافية في الدنيا والآخرة ، وأن يعافيهم في أبدانهم وأسماعهم وأبصارهم ، ويستعيذون من الفقر ويسألون الرزق الطيب مع العمل الصالح والعمل المتقبل .
أحسست في تلك السنة أنني أخطأت على نفسي ، وقصرت مع كتاب ربي ، فاتجهت إلى مراجعة ما قد حفظته سابقًا ، وفي الحقيقة .. بدا أنني أحفظ بعض الأجزاء من جديد ، وهذا جزاء من لم يعمل بنصيحة الرسول صلى الله عليه وسلم : " استذكروا القرآن. فلهو أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم بعقلها " ، وفي تلك السنة توجهت تمامًا إلى قراءة الكتب ، ولكن – كما هي عادتي مع الأسف – بلا استشارة ولا سؤال ولا تأن .. ، لكن من دخل في عالم الكتب قراءة وتتبعًا لا يعدم من الاستفادة ، ليس كمن دخل هذا العالم باستشارة وسؤال ومنهج .. صحيح ، لكنه سيستفيد بلا شك .
وكانت هذه السنة أشبه بالمدرسة ، أو على الأدق كانت أشبه بالدورة التي تخرجت منها معتمدًا على نفسي ، فلم أصبح – فيما بعد – تحت رحمة أحد من البشر نهائيا ، إضافة إلى أنها جعلتني أكثر حذرًا في تكوين العلاقات مع الشباب ممن أعرفهم سابقا ، أو ممن عرفتني عليهم الأيام ، ودخل في خط حياتي لاحقا .
وفيها تعرفت أكثر وأكثر على بعض العلماء الذي تشتهر بهم منطقة القصيم ، من أمثال العلامة سلمان العودة ، والمحدث سليمان العلوان – عجل الله بفرجه - والفقيه خالد المشيقح .
وفي هذه السنة بدأت فصلا جديدًا مع الإنترنت والذي أدخلني في أحداث كنت في غنى عن الدخول في بعضها ، لكنها – بمجموعها – كانت نواة لرسم شخصيتي بين الناس في مدينتي ، مع أنني دخلت عالم الإنترنت وتعرفت عليه قبل ثلاثة سنوات من هذه السنة ، إلا أن بعض الأحداث التي مرت في مدينتي ، والتي تتعلق بأحداث تمر بها المنطقة بشكل عام ؛ جعلتني أستغرق بشكل مبالغ فيه .. في هذا العالم . أفقت في السنة التي تليها ، وقد علمت أنني خسرت الكثير بسبب الإنترنت ، لكنني – أيضا – كسبت القليل ، لكن هذا القليل رسم لي مستقبلا لم أكن لأتوقعه بعد سنتين من السنة الأولى ( أي السنة الماضية والسنة الحالية من كتابة هذه الأسطر ) .
وكانت هذه السنة الدراسية سنة الإسراف والتبذير ، ليس بالنسبة لي فقط ؛ بل حتى بالنسبة لأصدقائي في تلك السنة محمد ونايف وسامي .. وغيرهم ، ولا أذكر سببا لذلك ، لكنني أعتبرها مراهقة مادية ، فقد كنا لا نبالي بما تصرف أيدينا من أموال ، فالأهل كانوا متحمسين جدا لهذه المرحلة التي يعيشها أولادهم ؛ فكانوا لا يبالون بما يدفعون ، بقدر ما يبالون بسماع أصواتنا المنتعشة بالسعادة والاستقرار ، أكاد أضحك حين أتذكر تلك السنة ، سنة الإسراف في المطاعم والمسابح والكتب ... سقى الله تلك الأيام .
أربعة شقق فقط ، هي عدد المساكن التي يقطنها الشباب من مدينتنا ، تجمعنا استراحة أسبوعية ، في يوم الاثنين ، نستضيف فيها داعية من الدعاة هنا ، أو نطرح موضوعا للنقاش .
خرجت من هذه السنة وقد تعرفت على بريدة ، أو على الخدمات الضرورية والترفيهية فيها ، كالورشات والتشليح وقطع الغيار ... وما يتعلق بهذا العالم المرهق ، والاستراحات والمسابح والملاعب .. وما يتعلق بهذا العالم الممتع ، والمكتبات والتسجيلات وأماكن النسخ والتصوير ... وما يتعلق بهذا العالم الجاد ، والمطاعم والوجبات السريعة .. وما يتعلق بهذا العالم اللذيذ .
كم أتمنى أن أعود لتلك السنة ، حيث الجمال والنقاء والصفاء في نفسي ، وفي علاقاتي ، وفي بيئتي . إني لأتعجب اليوم حين أنظر من حولي ، كل شيء يتعلق بتلك السنة .. ولى .. اختفى .. خفت .. ! نفسي ، وعلاقاتي ، وبعض اهتماماتي .. كلها تغيرت ، نعم .. قد يكون التغيير إيجابًا وليس سلبا ، لكنني – مع ذلك – أفتقد كل شيء في تلك السنة ، أما المتغير إيجابًا فأحمد الله – تعالى – عليه ، أما المتغير سلبًا .. فأحمد الله - تعالى – على كل حال ، ثم أقف متدبرًا لهذا المتغير السلبي ، في نفسي .. أعجب منه والله ، وأعجب من خير كنت أفعله ، وأراه اليوم بعيدًا عن شخصي وهمتي ، وهمٍّ كنت أحمله ، وأراه اليوم خابيًا . ثم أعجب أكثر عن علاقات كونتها في تلك السنة ، أو صداقات زادت عمقا ؛ ثم انقطعت حبال المودة ... فكأنها وكأنهم أحلام .
أضمُّ في القلب أحبــائي أنـا
والقلبُ أطــلالُ .
أَخدعُنــي..
أقول : لا زالــوا .
رَجْعُ الصَّدى يصفعنــي
يَقول : لا .. زالــوا !
أحمد مطر
هذا الموجز ، وسيأتي التفصيل بعون الله تعالى .