[ 8 ]
أول يوم ، وصباح كئيب في المستشفى !
في رحلتنا الافتتاحية إلى بريدة ، توقفنا في مدينة حفر الباطن للأكل في أفضل مطعم " للمشويات " مرّ علي ، وهو ملتقى للشباب .. ( الوادي الأخضر ) اسم هذا المطعم ، وفيه وجدنا أغلب شباب رفحاء المتجهين للقصيم معنا ، تعشينا سويًّا ثم انطلقنا للقصيم .
حين الوصول إلى بريدة ، أوصلت الشباب إلى شقتهم ، واتجهت إلى شقتي ، كانت لحظات مهيبة بالنسبة إلي ، أنزلت أغراضي ودخلت الشقة .. لا أحد ، ويبدو أنني سبقت الشباب في الوصول ، تجولت فيها ، شاهدت غرفتي رتبت أغراضي ، بدا كل شيء جميلا ... وفوضويًّا ؛ ولم يقصّر الشباب الذين سكنوا هنا أيامًا للتسجيل في الجامعة ( وأنا منهم ) حيث أثاروا الفوضى في هذه الشقة ، التي عمها الهدوء فلم يكن فيها إلا أنا ، حيث بقي أهم أساس في حياة العزوبية .. زملاء الشقة ، وهم عائلتي من الآن فصاعدًا ، بعد ساعة تقريبًا من التفكير والتوتر ؛ دخل أفراد الشقة ، وجلسنا قليلا في اجتماع خاطف ثم ذهب كل واحد منا إلى غرفته ، استيقظنا لصلاة الفجر وصلينا عند ( أسامة ابن لادن!! ) .. . لا لم أخطئ في الاسم ، فإمام المسجد الذي يصلي فيه يشبه أسامة بن لادن تماما في شكله وصوته ، وسبحان الخالق !
بعد الصلاة رجعت لأنام ، وبعد نصف ساعة بالتمام استيقظت على طعنة مباشرة في بطني ، ليست طعنة حقيقية ؛ بل مغص شديدٍ مؤلمٍ قارصٍ حارقٍ أطار النوم عن عيني نهائيا ، حاولت علاجه بالقفز لكنه لم ينفع ، وبالمناسبة أذكر أنني استمعت قديما إلى منظومة في الطب ، وقد نصح ناظمها لمن يصاب بالمغص بالقفز ، وذلك بأن تستوي واقفا ثم تقفز بكل جسمك بشكل متكرر ، وهذا ينجح أحيانًا ، لكن هذا المغص الذي أصبت به كان لا ينفع معه القفز أبدًا ، جلست متماسكًا قرابة النصف ساعة ، لكن المغص زاد بشكل خطير ومخيف ، لم أشأ أن أزعج الأصدقاء الجدد ، فذهبت متحاملا إلى سيارتي ، وانطلقت إلى المستشفى المركزي وهو قريب جدا ، ثم نزلت عندهم وجعلوني تحت الملاحظة ، والألم في ازدياد شديد ، ودخل ( الحرقان ) أو ( الحموضة ) في الخط ؛ فذقت الأمرّين ، ولم يرحني من الألم إلا النوم ، فنمت ولم أستيقظ إلا الساعة العاشرة صباحًا على أنين رجل أمامي ، يكاد يموت من ألم في كليته ، انتبهت .. فإذا ألمي قد خف ، لكنه لم يتوقف ، لذلك عدت بسرعة إلى النوم لأهرب من الألم ، وبعد ساعة تقريبًا استيقظت ؛ فوجدت الألم قد خف أيضا ، الحموضة لم تزل .. لكن حالتي بشكل عام شجعتني على الخروج من المستشفى ، خرجت من المستشفى إلى الشقة ، صليت الظهر فيها ، ثم نمت ولم أفق إلا على صوت أمير شقتنا ( تركي ) يوقظني للغداء وهو ينظر إلى الأدوية بجانبي ، وإلى آثار إبرة التطعيم في يدي مستغربًا ، أفقت ثم أخبرته خبري .
وبعد الغداء ، جلست مع جميع أفراد الشقة الخمسة ، وهم :
1- تركي : وهو أمير الشقة ، يكبرني بثلاثة سنوات ، رجل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، وهو ملتزم ، يُعْتَمَد عليه ولا شك ، يعجبني فيه تواضعه ، وهو أهل للاستشارة ... قسم اللغة العربية .
2- عاصم : وقد تكلمت عنه في الحلقة السادسة ، في مثل سني ، شاب ملتزم محبوب وطيب قلب ورجل ، جميل الحديث ، وهو مؤنسنا في الشقة ، آتاه الله صوتًا جميلا جدا مشابهًا لصوت المنشد ( أبو عبدالملك ) ... قسم الحاسب الآلي .
3- مطر : شاب ملتزم يصغرني سنة ، وقد صحبته في عدة رحلات من رحلات المركز الصيفي ، متدين خلوق فكاهي ، ويحمل صفة التأمل ، ومن يحمل هذه الصفة لا بد أن يعبر عن تأمله ، لكن أين يعبر مطر هذا .. لا أعرف ، دخل في قسم الرياضيات ، ثم انتقل إلى الفيزياء ، أو العكس .. نسيت .
4- عيادة : في مثل سني ، شاب ملتزم ، وهو عبقري ، وممن آتاه الله تفوقا في دراسته ، وقد أعاد السنة الأخيرة من الثانوية – مثلي - ؛ لأنه قد أغمي عليه في إحدى الاختبارات ، فاضطر إلى إعادة السنة مرة أخرى ، وأعتقد أنه نجح بمعدل عال جدا ، أهله لدخول قسم الرياضيات ، ثم حوّل إلى الطب .
فيما بعد دخل معنا شاب آخر اسمه ( فرحان ) وهو من صناع النكت . مع ضخامة جسده إلا أن الله قد رزقه خفة دم وفكاهة عالية جدا جدا ، كنت أفرح جدا بالجلوس معه لجمال قصصه المعبرة ، والمضحكة حدّ المبالغة ، لكنه لم يستمر معنا بالشقة ؛ بل درس الفصل الأول فقط ، ثم انتقل للدراسة في مدينة الرس .
وعن شقتي وما حولها .. سيكون حديثي في الحلقة القادمة بعون الله تعالى .