2- فى مطار الكفيل
و فى مطار القصيم ببريده كنا الأسرة الأجنبية الوحيدة ، الزوجة مكشوفة الوجه وبدون عباءة ، ابنى الصغير فى شورت قصير ، ابنتى ذات الثلاث سنوات فى ملابس طفولة قصيرة ، لذلك كنا محط الأنظار من الجميع ،لأنه لابد أن تخرج زوجتك وبناتك معبآت فى السواد وأطفالك الصغار لا يستطيعون لبس الشورت الطفولى ، وقتها شعرت بالغربة الشديدة وعدم الأمان ، أسرعت فى الاتصال بزملائى ، وأكدوا على ألا اترك المطار حتى يأتوا لأنه لا توجد أسماء للشوارع أو أرقام للبيوت رغم الغنى الفاحش ولن أتستطيع أن اصل إليهم وحذرونى من ركوب التاكسى ، وأكدوا بشدة ألا أخرج من المطار مهما كانت الظروف حتى يصلوا هم ، وبدأت غربتى تزداد وقلقى يشتد مع بداية دخول الظلام ، وأحسست أنى فى سجن وأسقط فى يدى فليس أمامى شىء افعله غير الانتظار .
وكانوا حذرونا بوجوب الحرص الشديد وتأمين الأطفال خاصة الصبية ، ونصحونا إذا ركبنا تاكسى ، اركب أنا الأول ثم زوجتى والأولاد ، وإذا نزلت فزوجتى والأولاد الأول ثم أنا فى الآخر .
وكنت حريص دائما على ركوب الليموزين الذى يقوده الأجانب واتجنب التاكسيات التى يقودها السعوديين ، وعندما وصل الزملاء كان من الذوق والمجاملة أن اركب مع الزميل الذى حمل حقائبى ، ولكنهما صاحوا فى وأمرونى بأننى لازم اركب مع أسرتى لمواجهة أى تفتيش فى الطريق ، حيث تنتشر هواجس الشك فى الغرباء خاصة فى وجود حرمه يقصدون زوجتى ، وركبنا السيارات وخرجنا من المطار إلى مدينة بريده التى تستقبلك بالافته ضخمة على الطريق مثل المدن الأمريكية مكتوب عليها أبتسم انك فى بريده ، كنت بعد ذلك أقرئها ابكى أنت فى بريده ، فرغم مظاهر الغنى والتكنولوجى المستورد فى كل شى ء ورغم مرتبى الذى يبلغ أكثر من عشرة أضعاف مرتبى فى بلدى كانت بريده مدينة كئيبة بكل معنى الكآبة ، أعيش فيها كالميت الحى .
وانبثقت لغة جديدة تنموا الآن فى السعودية و يتعامل بها الجميع ، نشأت نتيجة تجمع جنسيات عديدة ، وهى ليست عربية أو هندية أو إنجليزية بل حتى ليست أورديه ، لغة عجيبة حفرها الناس لتسهيل المعاملات بينهم مثل ( فى مشكل ) ( ده خراب ) ( محمد أو حسين فيه أى هل هو موجود ) (لازم فيه معلوم ) وما إلى ذلك من تعبيرات ، وفى التاريخ شواهد عديدة على لغات نشأت فى ظروف مشابهة ومنها لغة الأوردو ( يتحدث بها 100 مليون ) ، وهى أخذت من كلمة اوردو بالتركية وهى تعنى معسكر ، والمعسكر هو الذى كان يضم جيوش الغزو الإسلامى فى أسيا الوسطى وشبه القارة الهندية وكان هذا المعسكر بين بنجلادش وباكستان و يضم جنود ا وعسكر عرب وأتراك وفرس وغيرهم من مختلف الأجناس التى دخلت الإسلام فنشأت اللغة الجديدة لتشبع الحاجة إلى التواصل .
فى مدينة الكفيل
ومدينه بريده مثل بقية المدن الكبيرة فى السعودية ، كل شى ء فيها يشبه أمريكا ألوان التاكسى، وألوان سيارات الشرطة والمطافئ وملابس الشرطة ومحطات الباص ، كل شىء أمريكى فهم يعبدون أمريكا سرا ويكفرونها علنا ، بل انهم يعلنون رغبتهم فى الحصول على الجنسية الأميركية . وكان يلفت نظرى دائما الأشكال الجمالية والتصميمات التى تعكس التركيبة الثقافية البدوية للمدن السعودية ، فترى فى الشوارع تمثال ضخم للنابلة وأخر للهون والدالة وهكذا ، المهم ألا يوجد تمثال لبنى أدم أو صور للبشر فالإعلانات المنتشرة فى الشوارع لا توجد فيها روؤس بشر أو حيوان ، وإذا وجدت ، تجد الرقبة مقطوعة فهم هناك متعودين على قطع الرقاب . وفى أول الأمر كان يقشعر بدنى عندما أشاهد تلك الإعلانات ، واتذكر مسرور السياف فى حكايات ألف ليلة ، وكان يقلقنى دائما بياناتهم الأسبوعية التى تصدرها وزارة الداخلية فى وسائل الأعلام كل يوم جمعة بعد الصلاة عن قطع رقبة فلان بالسيف تعذيرا ، لدرجة أن ابنى الصغير كان يخاف من إعلان ضخم لنوع من الحليب فيه بقرة مقطوعة الرقبة . وهناك الصور حرام ، فلا توجد صور من أى نوع مسموح بعرضها غير صور الأسرة المالكة و وتعرضها محلات التصوير فى فاترينة المحل ، حيث تقوم هيئة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ( البوليس الدينى ) بنزع جميع الصور خاصة صور النساء التى توجد على جميع المنتجات بالأخص الملابس أو الأدوات النسائية فى الأسواق حتى يصبح كل شى إسلاميا من وجهة نظرهم ، منتهى الغباء الدينى . واتذكر مدرس الدين هناك شطب لأبنى صور على غلاف إحدى القصص الدينية بحجة أنها حرام .
وفى شوارع المدينة لا تجد السعوديين فالغلبة للهنود والباكستانيين والمصريين والفلبينين ، ولا تجد أسرة سعودية تسير فى الشوارع ألا أسر العمالة الأجنبية التى تعانى من تعليقات ومضايقات الأولاد الصغار ، لأنهم يتربون على معاكسة وشتيمة الأجانب وهم أشبه بالكلاب الضالة فى الشوارع حيث يشبون هناك على كراهية الأجانب .
وهنا أتذكر مقولة علمية تفسر ميكانيزم العدوان والتعصب والتطرف كمركز لمشكلة التعصب ، فالشعور بالتعصب قد يكون وسيلة لإسقاط الكراهية على الشخص المنافس فى ضوء تطور مراحل التنشئة خاصة فى الطفولة المبكرة ، والمصطلح xenophobia وهو هوس بغض الأجانب ، قد يكون نظام الكفيل فى الخليج هو ترجمة لذلك المصطلح حيث يتحكم الكفيل فى العامل الأجنبى ويسقط عليه جميع سلوكيات التعصب والهوس بفلسفة السيد والعبد.
والسيارة هناك مهمة جدا لأسر المتعاقدين لتجنب مضايقات أطفال الشوارع وللحماية من أى جريمة خطف أو اعتداء على النساء أو الأطفال ، ولكن يجب عليك وأنت متعاقد أجير ألا تعطل سيارة السعودى وراءك فى الطريق ، ولا تسبقه فى الشارع و لابد أن توسع له الطريق وتوسع له مكان للجراح ، ولا تزاحمه فى كابينة التليفون أو فى أى طابور سواء فى بنك أو أى مصلحة ، لأنك يجب أن تحترم عنجهية وعجرفة المال .
وإذا ذهبت إلى إحدى ورش السيارات للإصلاح ويبدأ العامل فى سيارتك ثم يدخل السعودى الورشة بسيارته فهو لا ينزل منها وينادى بالكلاكس على العامل الذى علية أن يتركك ويذهب فورا له وقد لا يعود لك لأنه بدأ فى سيارة السعودى بعد أن فك سيارتك ولا تستطيع فعل شىء .
والسعودى يركب احدث واغلى سيارة بصندل فى قدميه ، ومعه أطفاله حفاة ، ثم ينزل من السيارة ويقف بجوارها ويمخض انفه على أرضية الشارع ، ويسقط بعض المخاض على جسم السيارة رغم علب المناديل الورقية الموجودة بالسيارة ، وهو دائما يلقى فوارغ المياه الغازية من شباك السيارة وهى تسير. والنظافة الظاهرة فى المدن السعودية ليست نتيجة السلوك المتحضر للناس ولكن نتيجة كثافة عمال النظافة ونشاط البلديات الواضح
|