[ 10 ]
شقتي وما حولها !
أكثر ما أتمناه الآن أن أكون في مدينة بريدة ؛ لأن مثل هذا الحلقة يتيمة بلا صورٍ تدعمها ، والحمد لله على كل حال ، ولعلي أضيف الصور في آخر ذكريات كل عام دراسي .
وعن شقتي وما حولها أحدثكم ، في تقاطع مستوصف مغربي للعيون ، أو إشارة الشلال ، اتجه شمالا تاركًا الطريق الذي يؤدي إلى جامع الملك فهد .. وراءك ، واسلك الطريق إلى المعهد العلمي في بريدة ، الذي قبله بقليل ستجد مطعمًا على يمينك اسمه ( لمعة الشرق ) في الطابق الأول ( وليس الأرضي ) سكنت في الشقة رقم ( 1 ) ، أي سكنت فوق مطبخ المطعم .. وهذا سكني في السنة الأولى من الجامعة ، كل شيء متوفر ، المحطة بمتعلقاتها ، مكتبة المساعي ، مغسلة الملابس ، السوق ( خبيب ) .. كانت الشقة رائعة ، في مكان رائع ؛ فلم تكن محبوسة في داخل الحي ، حيث الشوارع الضيقة والرطبة ، بل في مكان قصِيٍّ مناسب .
عذرًا .. فقد دخلت مباشرة في الحديث عما حول شقتي ، ولم أتحدث عن الشقة نفسها ، ثلاثة غرفٍ للنوم ، ومجلسٌ خارجي لفصل الصيف ، وآخر داخلي للشتاء القارص . ( مجلسٌ خارجي ) أي مطل بنوافذه على الخارج ، أما ( المجلس الداخلي ) فهو يتوسط الشقة فلا نوافذ ، لذلك هو الأنسب للجلوس في الشتاء .
أما غرفتي فالأصل أنها لي وحدي ، لكن دخل معنا في الشقة ( فرحان ) صانع النُّكت ؛ فصار زميلي في الغرفة ، لكنه – كما أخبرتكم – لم يستمر معنا ؛ بل انتقل للدراسة في مدينة الرس ، وهو شاب ضخمٌ قوي جدًّا لم أجرؤ على التحرش به ؛ لأن مزحه عنيف بعض الشيء ، وأذكر أن عاصمًا استفزه ( وهو من أقرباء فرحان ) ؛ فتحولت غرفتي إلى ساحة معركة شرسة ، ففرحان ضخم وقوي ، وعاصم قوي البنية وسريع ، لكن قوة البنية والسرعة لم تشفع له أمام فرحان ؛ إذ رفعه عاليًا وأسقطه على طاولتي ، ومنها إلى الأرض ، وانطلق فرحان هاربًا ، وأنا أترنح من الضحك .. ما أجمل تلك الأيام !
ولا بأس أن أحدثكم عن موقف حدث لي مع صاحبنا فرحان ؛ إذ استشعرت لذة تلك الأيام ومواقفها . كنا يومًا من الأيام مجتمعين على وجبة الغداء .. كل أفراد الشقة ، فأخذت أتحرش – مع الأسف - بفرحان كلاميًّا ، وأستفزّه .. ، كان آخر شيء أتوقعه أن يقطع الوجبة ثم يقوم إلي ... لكنه فعل ذلك حقا ، فقمت وتوجهت نحوه مسرعًا ، وسط دهشته من جرأتي على الاتجاه نحوه كالمتحدي ، لأني متوسط البنية ، ولا تقاس قوتي بقوته ؛ فكان أن رفعني عاليًا وأسقطني على الأرض ، لكنني قمت بسرعة واتجهت نحوه ؛ فرفعني عاليًا وأسقطني على الأرض ، ثم قمت مرّة أخرى واتجهت نحوه كذلك فرفعني عاليًا وأسقطني على الأرض . وهو مندهش من إصراري على تحديه ، ولم يعلم أنه كان يقف بيني وبين باب الهروب ؛ فكنت أتجه للباب ، وهو يظن أنني أتجه إليه ، ولم ينتبه لذلك إلا صاحبنا عاصمًا الذي كان يضحك ؛ فنبّه فرحان إلى أنني أريد الهرب ؛ فما إن ابتعد عن طريقي حتى لذت هاربًا .
الحديث عن مواقف في الشقة ، هو حديث عن الشقة لا شك ، كان أميرنا في الشقة قد جعل وقت العصر ( شَبَّة ) عامة لجميع الشباب ، و ( الشَّبَّة ) جلسة أنس وسَمَر يقدم فيها القهوة والشاي والتمر ، وبقي على هذا حتى بعد مغادرتي للشقة .. وإلى أن تخرج في العام الماضي .
وجبة الغداء كانت – بالطبع – " كبسة دجاج " ، والعشاء ( معكرونة ) ... ولي ثورة على وجبة العشاء قمت بها ، سيأتي الحديث عنها بإذن الله تعالى .
الغرفة التي تقابل غرفتي يسكنها الصديقان الهادئان ( مطر ) و ( عيادة ) ، وفي غرفة أخرى يسكن أمير الشقة ( تركي ) مع ( عاصم ) .
هذه الحلقة عرضٌ هادئ لشقتي وما حولها ، لعلي نجحت في رسم صورة واضحة عنها .. والله هو الموفق والمعين .