مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 22-07-2007, 01:17 AM   #46
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 11 ]

أول صباحٌ جامعي !

ذكرت لكم في الحلقة التاسعة أنني لم أذهب للجامعة ، بل قضيت صباح ذلك اليوم في المستشفى ، وأرجو ألا يُفهم من خلال قراءة الحلقات السابقة أنني سأمر على صباح كل يوم .. بالتأكيد لا . وإنما أركز على أول يومين أو ثلاثة أيام من أيام الفصل الأول ، لأنها الأيام الأولى للمرحلة الجامعية ، ومن ثم – كما سترون بإذن الله تعالى - سأنطلق للحديث وفق المواقف والحوادث ، إضافة إلى رؤيتي للمعالم الحية في المدينة وتعاملي معها .. في السنة الأولى ، أجمل سنوات المرحلة الجامعية بلا شك .

استيقظت في اليوم الثاني بلا آلام - بحمد الله تعالى - ، ركبت ( الطائر الأزرق ) ومررت بصاحِبَيّ ( نايف ) و ( محمد ) وانطلقت إلى الجامعة ، الشعور الذي شعرته لما دخلت المرحلة الابتدائية لأول مرّة ، ثم المرحلة المتوسطة لأول مرة ، ثم المرحلة الثانوية لأول مرة ، استعدته ذلك اليوم ، لكن بشكل مختلف بعض الشيء ، كان الأمر فوضويًّا في تلك الأسابيع ، اختر قاعة من قاعات المستوى الأول وادخل فيها ، فلم تنزل الأسماء رسميًّا بعد ، اخترت أنا وصاحبي نايف إحدى القاعات فدخلنا .

جلسنا ننتظر الشخصية الأولى ، أقصد بها ( الدكتور ) ، كانت شخصية الدكتور – في تلك الأيام – تعني – بالنسبة إلي – أمرًا جديدًا مهيبًا فخمًا ، دخل الدكتور علينا ، جلس على كرسيه المنتصب فوق المنصة .. ساكتًا ، كان صمته يقتلني ، ويزيد الهيبة ، دعوني أكون صريحًا معكم .. كنت خائفًا جدًّا ، لو كنت أصغر قليلا لبكيت ، نطق الدكتور .. أتبع الكلمة بأختها ، تحدث .. ، كلامه جميل ، وتعامله لطيف ، وأسلوبه حَسَن ، وأنا الذي كنت أحسبه شرسًا غاضبًا .. إنني سخيف حقا .

الآن وبعد أربعة سنوات أقول : لا غرابة في ذلك الكلام الجميل ، والأخلاق العالية ، والتعامل اللطيف ، والمنطق الحَسَن ، فذلك الدكتور كان الفاضل محمد الشرود – وفقه الله تعالى - ، دكتور مادة النصوص ، أنعم به وأكرم ، فالرجل صاحب أخلاق عالية ، وهدوء جميل ، ولطف جميل ، ولقد قابلته قبل أسابيع من كتابة هذا المقال في إحدى محلات قطع الغيار ، فسلمت عليه ، وقابلني بابتسامته ، وهدوئه .. إضافة إلى أنه تذكرني ، مع أن آخر تدريسه لي كان قبل سنتين .

إذن ، فقد مضت المحاضرة الأولى على خير ، ولم تدمع عيني من الخوف .. شكرًا يا دكتور محمد الشرود ، أدبك وحسن خلقك رسما صورة ثابتة لتعاملي مع أخلاق الدكاترة ، فذلك أول لقاء .. وأول لقاء يُقَعِّد لما بعده ، جاءت المحاضرة التي بعدها ، ( وعينك ما تشوف ألا النور ) كما يقول عادل إمام – وانتم بكرامة - ، دكتور مصري الجنسية ، من الواضح أنه يستمتع ببثّ الرعب في قلوب الطلاب ( حَسَأطكم : سأجعلكم ترسبون ) ، ويحذرنا بأن هنالك طلابًا في المستوى الأخير لا زالوا يحملون مادته في المستوى الأول ، وأنه متشدد في التحضير ، وكان يتفنن في الدعاء على الطلاب ( كسْرِ رْأبْتَك : كسر الله رقبتك ) .. ، في الأخير ينجح في رسم العلاقة بينه وبين الطلاب ، إذ جعل من نفسه الرجل المزاجي الذي يجب ألا تستفزه بتصرف خاطئ ... ولا حتى بتصرف صحيح !

وفي الفصل " التِّرم " الماضي ، وبعد أربعة سنوات ، عاد هذا الدكتور المصري مدرسًا لِي ، وبعد أربعة سنوات اكتشفت أنه هو هو .. غير أنه زاد بإلقاء الأقلام على الطلاب الذين يزعجونه ، إضافة إلى الخروج عن موضوع المحاضرة كثيرًا . أنا الذي تغيرت بعد هذه السنوات ، فلم أصبح ذلك الطالب المستجدّ الذي يخشى ويصاب بالخوف من عنتريات هذا الدكتور اللطيف الشرس ... علاء الحمزاوي – وفقه الله تعالى - .

في ذلك اليوم حضرت للدكتور الراحل ( حلام ) - رحمه الله تعالى - ، وهو دكتور جزائري لغوي مثقف ، يدرس مادة ( المعاجم ) ، ويفضل أن يعيش أجواءً خاصة في محاضرته ؛ فلا تحضير ، ومن أراد الخروج فليخرج بلا استئذان ، في إحدى الأيام خرج ما يقارب ثلاثة أرباع الطلاب ؛ فلم يبالي أبدًا ، واستمر بالمحاضرة ، مع أن الباقين عدد أصابع اليد ... رحمه الله تعالى وغفر له . آمين

أيضًا مرَّ عليَّ في ذلك اليوم الدكتور اللطيف المرح والمحبوب ( ربيع ) ، وهو متخصص في مادة ( البلاغة ) من ألطف الدكاترة ، ينفعل ويندمج في المحاضرة ، فتراه يمد يديه عاليا ، وعلى جنبه ، وربما يقفز أحيانًا ، لأنه يدخل تمامًا في جو البلاغة والأمثلة ، ومثل هذا يجب ألا يُغضَب ؛ لأنه ينطبق عليه قول القائل : احذر الحليم إذا غضب . واسألوني أنا ، فقد غضب يومًا بسبب إزعاج بعض الحمقى المغرورين من الطلاب ؛ فانقلبت أجواء القاعة تمامًا إلى شيء مزعج .

مضى اليوم الأول على خير ، لولا تخويف ( الحمزاوي ) ، ولولا حديثٌ مباشر ومفاجئ عن أحداث أفغانستان والعراق من قبل أحد الطلاب الذي رمى بنفسه عليَّ بلا معرفة ، ولا دخول تدريجي ... .

إلى هنا أقف ، وغدًا – بإذن الله تعالى – سأكتب حلقتين تعويضًا عن التأخير الذي حصل .
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل