[ 13 ]
الثوابت والمتغيرات في حياتي الجامعية !
وهذه الحلقة تختلف عن غيرها ؛ إذ هي تحتوي جميع سنوات المرحلة الجامعية التي مرت علي ، ولا زلتُ مستمرًّا معها ، أرفع الستار في هذه الحلقة عن الثوابت التي بقيت معي في المرحلة الجامعية ، إضافة إلى المتغيرات والتي ربما قد استمر بعضها معي ، أو أنني داومت عليها سنة أو سنتين أو ثلاثة ... لكنها لم تكن من الثوابت التي بقيت معي طوال المرحلة الجامعية وإلى الآن... .
من الثوابت في حياتي الجامعية هي القراءة ، قراءة الكتب .. ، وبعيدًا عن تفصيل هذا الثابت ، فإنني كطالب جامعي لا أجد حرجًا أن أقول أن من ثوابت حياتي في المرحلة الجامعية .. القراءة ، وأفتخر بذلك وأظهره ؛ لأن هذا هو الأصل في الشاب الجامعي ، ولا يُستغرب من قوله وإظهاره ، بل لا يُنتقد من يظهر ذلك ، ويفخر به .. ، وإن من أبغض المواقف عندي ، أن يكتب أحد الأخوة موضوعًا عن كتابٍ ما ، أو مقالا عن القراءة ، أو نقاشًا عن حب القراءة ، أو عَرْضًا لآخر ما قرأ ، أو نصحًا بقراءة عدد من الكتب .. ؛ ثم يقفز أحدهم بردٍّ ثقيل مخلوطٍ بالسذاجة ، ومنقوعٍ بالحسد ، ومربوطٍ إلى أخلاقٍ بليدة سيئة ، قائلا : أنت تريد أن تظهر بأنك قارئ ومثقف .. !!
هذا الثابت – ومع الأسف - لم يكن مدعومًا باستشارة لأحد ؛ بل اجتهادٌ من قبلي أولًا ، وشيء من الاعتماد على الكتب التوجيهية في هذا الباب .. ثانيًا ، لكن من دخل عالم الكتب والقراءة لن يعدم من الفائدة ، ليس كفائدة من دخلها مستشيرًا متأنيًا .. لكن لن يخلو – كما ذكرت – منها .
من المتغيرات – مع الأسف الشديد – مراجعتي وحفظي لكتاب الله – تعالى - ، مابين إقبال شديد في أول سنة .. ومتواضع في السنوات التالية ، إلى إدبارٍ شديد ومقلق ، وهذا التذبذب مرتبط تمامًا بحدة النفس ونشاطها ، ورخائها وفتورها ، وقد كان للعاملين الأخيرين صولة وجولة مع نفسي كلفتني الكثير ، وعلى كل تبقى الحقيقة ، بأن من يجاهد نفسه – حقًّا – فلن يقف أبدًا عند تقلبات النفس الأمارة بالسوء ، ولن يبالغ في مسألة ( الصراع من النفس ) ، وتجد أحدنا يحتج بهذه المسألة ، وهو مقصرٌ أو منقطع عن المجاهدة ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) .
ومن الثوابت .. الانترنت ، وكنت قد دخلت هذا العالم قبل المرحلة الجامعية بثلاث سنوات ، وفي السنة الأولى تلقيت هجومًا من أخوة وأصدقاء معي في الجامعة ، وللأسف .. فإن بعضهم قد تجاوز النصح برفق إلى التشكيك والصراخ وقلة الأدب ، بل إلى الغيبة ، وفرض الرأي ؛ بحجة أن الانترنت مضيعة للوقت ، وأنه ليس أساسًا في حياة المسلم .. إلخ ، لا شك – وأعترف – أنني كنت أبالغ في دخول الانترنت في تلك الفترة ، لكن هجوم البعض كان ضد الانترنت من أساسه ؛ فكتبت مقالا – ردًّا عليهم - بعنوان ( دعني ففي القلب من الحب ثلمة ) وكان مما قلته : " إلى أولئك ، ليس من حقّكم فرض رأيكم الفرعوني ، وليس من حقّنا فرض اهتماماتنا عليكم ، نحن نحبّ الانترنت ، وهو عالم فسيح جميل .. ، إن تعجب منه فَعَجب هو ، وإن تخالفني في إعجابي به : ( فدعني ففي القلب من الحب ثلمة .. ) " . بالمناسبة ، كل من كان يهاجمني من الأصدقاء في ذلك الوقت بسبب الانترنت ، هم اليوم من زوار هذه الشبكة ، وربما يدخلونها أكثر مني .
من المتغيرات .. مستواي الدراسي ، والذي كنت مقصرًا فيه ، ولا زلت – إلى اليوم - أجني الحصاد علقما ، وصادف تقصيري تدهورًا إداريًّا في الجامعة حين دَمْج مقر جامعة الملك سعود سابقا ، مع جامعة الإمام سابقًا .. لتؤسس جامعة القصيم . اجتمع التقصير مع التدهور فـ " كِمْـلِت " كما يقول إخواننا من أهل مصر ؛ حين وجدت نفسي أعود – مرغمًا - من المستوى الثالث إلى المستوى الأول ، ووجدت نفسي مطالَبًا بتجاوز متطلبات منهجيّة جديدة وضعت لمستويات قسم اللغة العربية ، وكان لهذه الصدمة تأثيرها على دراستي فيما بعد ، والحمد لله – تعالى – على كل حال .
من الثوابت .. الكتابة ، فقد كنت أستغرق في الكتابة ، مع تركيز على كتابة مذكراتي الجامعية ، داومت على كتابتها إلى السنة الماضية ، وفي لحظة لا أعرف تفسيرًا لها ، ذهبت للمطبخ حاملا المذكرات .. وأحرقتها ، لماذا ؟ لا أعرف – إلى الآن – السبب في ذلك الفعل .. والحمد لله على كل حال . وكنت – أيضًا – مستغرقًا في كتابة المقالات في المنتديات ، في المنتدى التابع لمدينتي بالتحديد ، ولم أكن أكتب في منتدى غيره ، والطريف أنني كنت أتعامل مع المنتدى وكأن زواره من خارج مدينتي ، وكأن أعضاءه شخصيات خيالية ؛ فاكتشفت أن الذين يتابعون ويردون من الأصدقاء ؛ بل بعضهم من المسئولين الكبار في المدينة ، وآخرون من المشايخ وطلبة العلم ، وممن لهم قدرهم من المبدعين والمربين في المدينة ، ولم أعرف ذلك إلا بعد أن تسرب اسمي ... كي لا أطيل ، للانترنت وعالم المنتديات حديث سيأتي – بإذن الله تعالى - .
من المتغيرات ... علاقاتي ، بعض الشخصيات ثابتة ... نعم ، لكن موقفي منها ، وعلاقتي معها يتغير ، وأول هذه الشخصيات العلامة سلمان العودة – وفقه الله تعالى - ، تغير موقفي منه ، وتقلبي في الحكم عليه ؛ استمر طوال المرحلة الجامعية ، وفي كل موقف كنت أراسله على البريد الإلكتروني وكان يرد علي بهدوء وأناة ، وربما رد على الرسالة الطويلة جدا بسطرين أو ثلاثة ، وبعيدًا عن التفاصيل – والتي ستأتي في وقتها – فقد انتهى موقفي منه إلى الحب والركون إليه والثقة به ، وهو كل حال مستمر على نهجه ودعوته ، تذبذب الثائر في موقفه أم لا ، أسأل الله تعالى أن يسدد خطاه ، وأن يثبته .
بالطبع لا أنسى علاقاتي مع الأصدقاء ، وهذه سيأتي تفصيلها خلال الذكريات – بعون الله تعالى - ، ومن المستحيل أن آتي على كل التفاصيل ؛ لأن مثل هذه العلاقات كثيرة ومتغيرة دائمًا إلى الأفضل أو إلى الأسوأ أو حتى إلى اللاشيء ، والأفضل له تفاصيله ، والأسوأ كذلك له تفاصيله المؤلمة والمزعجة .
أختم بأكثر المتغيرات إزعاجًا ، وهو السَّكن ، وخلال أربع سنوات تنقلت أربع مرات ، سنة كاملة سكنت فيها في شقتي الأولى ، وقد حدثتكم عنها ، ثم انتقلت مع مجموعة جديدة من الخريجين إلى أعماق حي الخالدية في الفصل الأول من السنة الثانية ، وفي الفصل الثاني انتقلت مرغمًا إلى مبنًى آخر ، ولم أغادر الخالدية ، وفي الفصل الأول من السنة الثالثة الذي انتقلنا إلى الدور الثاني في نفس المبني ، وأرجوكم لا تسألوا لماذا .. ! وفي الفصل الثاني انتقلنا إلى مبنى ( أبراج الخير ) الوقف التابع للمستودع الخيري ، في حي الخليج ، بعيدًا عن أزقة خالدية خبيب وشوارعها الضيقة الرطبة ، وهذا المبنى يتميز باتساع الشقق ، والرخص في سعر الإيجار ، إضافة إلى أن المتعلقات التابعة للشقة كالمكيفات والتلفاز والثلاجة .. إلخ ؛ تُوَفر من قِبل المستودع الخيري ، وبقيت في هذا المبنى إلى اليوم ، أي : سنة ونصف السنة ، أسأل الله أن يثبتني عليه ؛ فلا يوجد أمر أكثر إزعاجًا من الانتقال من شقة إلى شقة أخرى .
أراكم على خير بإذن الله تعالى .