لماذا نحن متشددون
أكتب هذا الموضوع لا لأقول بأنني معتدل , فأنا أكثر من يعرف كيف تفور دمائي عندما أقرأ
رأيا يخالفني - وانما لأفهم لماذا أغضب ؟ وما الذي يحدث حين أغضب ؟ وكيف أستطيع أن
أحد من أضرار هذه المشكلة ما أمكنني السيطرة عليها
.
ان للعقل وسائل شتى يستخدمها لتشويه الفكرة , والباسها طبقات متعددة من التمثيل والافتراض , وربطها بوجود شرط أو بعدمه , حتى يعميها عن نظرك , ويسبب لك اختلاطا حين تحكم عليها , لذلك فان الفلسفة غالبا ما تعمد الى تجريد الفكرة وتفكيكها , ي يتم فحصها بدقة وموضوعية .
لماذا أغضب حين يخبرني أحدهم أن الكلام اللذي أقوله غير صحيح ؟
لماذا يفور الدم في عروقنا حينما يقول لنا شيعي : ان معاوية مجرم ؟ أو حين يقول لنا سني : ان الحسين كان طالب ملك ؟
لماذا نغضب حين يخبرنا أحدهم أنه لا وجود لله ؟
صاحب الفكرة يعتقد بصحتها , ولذلك فان انكار شخص اخر لها لا يعني شيئا طالما لم يشك هو بها , هل يضر الله أن ينكر أحد وجوده ما دام موجودا ؟
هل سيتململ الحسين في قبره عندما يقول أحدهم انه طالب ملك ؟
هل سيسود وجه معاوية لأن أحدهم نعته بالاجرام ؟
الاجابة العقلية تصرخ : لا
اذن لماذا نغضب ؟
اننا حين نغضب لا نفعل ذلك في سبيل مبادئنا ودفاعا عن مقدساتنا كما تعودنا وأحببنا أن نقول دائما , فنحن نعلم يقيينا أن ارأي الاخر لن ينقص شيئا من ذات ما نعتقده ما دمنا معتقدين به ...
اننا حين نغضب نفعل ذلك دفاعا عن ذواتنا , متبعين غرائزنا الأولية : ( حارب او أهرب ) ... والعقل يلعب لعبته بكفاءة متناهية ليوهمنا أننا نغضب دفاعا عن ذات الفكرة لا عن أنفسنا .
أهم ما يشكل الذات الانسانية هو أفكارها .
الايمان , الأفكار , المعتقدات , القناعات .. هي أكثر أهمية عند العقل من اليد والقدم والذراع
هي أقرب الى الفهم عنده , هي أكثر أهمية في تشكيل الذات .
لذا فان أي اعتداء عليها , أي محاولة للتشكيك بها , يفهمها العقل مباشرة على أنها اعتداء على ذاته , مسألة حياة وبقاء , حارب أو أهرب .
تخيل شخصا بنى قناعاته وطريقة حياته وشكل أخلاقياته تبعا لفلسفة نيتشة ...
ثم جاء من أرشده الى خطأ منهجي في فلسفة نيتشه , يسقط بسقوطه جميع ما بنى من قناعات ومبادئ وأخلاقيات ..
انه يرى أفكاره تتداعى قبل أن يفهم لماذا تداعت , جسده يرسل اشارات انذار لجهازه السمبثاوي العصبي :
" ذاتك مهددة ... مسألة موت أو حياة .. حارب أو أهرب "
تخيل من قضى حياته مؤمنا بالله , متعبدا في المسجد , مواظبا على صلاته وقيامه , مطلقا لحيته , مقصرا ثوبه ... ثم يأتي من يخبره أن الله غير موجود أصلا
حياته سقطت , أعماله ذهبت , لحيته اطلقت لغير سبب ... هو يعلم أن حديث مخالفه لن يضر الله شيئا , فهذا ما يؤمن به أساسا ..
ولكن ذاته مهددة , حياته مهددة , كيانه مهدد ..
اذا كانت فكرتي مهددة فهذا يعني أنها غير صحيحة , لن أثبت صحة فكرتي بغضبي .
القوة الفارضة للحقيقة هي أول خطوة في انكارها , الغضب والتعصب ردتا فعل دفاعيتان , نعلم ضررهما عقليا , ولذا وجب أن نجد حلولا للتخلص منهما أو السيطرة عليهما .
ولكن , هل سيكون وعينا بمسبب وباعث هذا التعصب سببا في السيطرة عليه ؟
لا أظن , فالعقل كما أسلفت , يتفنن في تضليل وتشويه الفكرة , ويرغمك على اتباع السبيل اللذي ارتضاه للفكرة تحت وطأة الزمن التفاعلي القصير الذي وضعك فيه , وكيميائيات الحماية اللتي نفثها في دمك
اذا كان اختلاف الاخر معي لن يضر الذات اللتي تعالجها فكرتي في شيء ... فلماذا أغضب ؟
لماذا لا أسمع منه ويسمع مني .. أناقشه ويناقشني ... ثم أبتسم لالحاده ... ويبتسم لايماني ؟
|