أشكرك على هذا الموضوع الهام؛ كما أشكر المشاركين وأوافقكم الرأي أن هذه المقوله تصدق (إن صدقت) على نظرة المجتمع والناس، أما عند الله فهم سواسية يحاسبهم على ما اقترفوه؛ (والجرم جرم أياً كان فاعله) بل قد يزيد الرجل إثماً إذا ظن أنه آمن من مكر الله وأليم عقابه؛ ذلك أنه بهذا انتهك محارم الله وهو يعلم، انتهكها لما علم أن المجتمع يغفرها له (وكل أمتي معافى إلا المجاهرون) ومن أوغل في العصيان ران على قلبه ذنبه، وصار لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، نعوذ بالله من أن يختم على قلوبنا بذنوبنا..
ثم إنَّ مثل هذه المقولة مصيبة!! لأنها تُشْعِرُ أن الرادع عن المعاصي إنما هو نظرة المجتمع (وربك غفور رحيم)!!
فتجد بعض الشباب يقول: (نعصي ونتوب ولا كأن شي صار) وأولياؤه يقولون (يكبر ويعقل وتنسى خطيئته) مع أن هذا ليس بصحيح فمن يضمن له العيش؟ ثم هل هَمُّنا كلام الناس أو رضى ربِّ الناس؟
ومن هنا جائت المقولة للفتيات (أنتي بنت أي شي يعيبك)فإذا احْتَجَّتْ بغواية أخيها قالو: (هذا رجال خطأه ينسى) فكانت التربية كلها على ما يريده الناس وما يحسن الصورة الظاهرية للولد والفتاة دون التفات لمخبره وما بينه وبين ربه..
أما مثل هذا الكلام فأنا أظنه يصدق فقط فيما يتعلق بالشرف والعرض (مع أنه ليس صحيحاً على إطلاقه)..
بيان ذلك: أن المرأة إذا أصابها ما يخدش عرضها وعفتها فلا يمكن تعويضه؛ ولما كانت كذلك فإن كل ما يتعلق بهذا الباب له من الحساسية الشديدة ما ليس لغيره _بالنسبة لفتاياتنا ودررنا المصونة_.
ثم لما كان كل محارمها حرَّاساً لها مأمورين بحفظها ورعايتها كانت كل ندبة في شرفها ندبة (أو ندبات) في شرف محارمها وذويها وعاقلتها..
وإنما يكمن الفرق بين الرجل والمرأة في هذا الباب: بأن المرأة كلها في عفتها وحيائها، بينما الرجل كله في عقله وتحمله المسئولية (فإذا فقدت المرأة حياءها وفقد الرجل عقله فلا خير فيهم (ومن وجد منه نقص في شيء منها نقص بقدره من قيمته))..
ومن هنا فإذا كان عرض المرأة هو كل ما تملك؛ وكان أي خدش فيه خدشاً في تحمل محارمها لمسؤولياتهم: كان الوضع صعباً للغاية بالنسبة للمرأة (لا تقبل فيه أدنى كلام؛ فإن حصل أدنى تجاوز أو تقصير بقي أثره طول عمرها عليها وعلى محارمها..
ولا شك أن هذا مما تتميز به المجتمعات المحافظة على شرع الله، ذلك أن الخبث فيهم قليل ولذا كان أدنى خلل في بيت من البيوت ظاهراً للعيان لا ينساه المجتمع (كما أن مجتمع النبوة لم يذكر فيه من التجاوزات إلا موقفين أو ثلاثة على مدى ثلاث وعشرين سنة!!)..
أما فيما عدى العرض فليس بصحيح فإن أكثر الأخطاء يتجاوز فيها للنساء ولا تنسى إذا وقعت من الرجال..
وكدليل على ذلك أنه لو حصل من فتاة من فتياتنا ما لا يرضاه الشرع لم يغتفره المجتمع للأب إطلاقاً وبقيت ندبة في جبينه (وكم سمعنا وعايشنا من مات مريضاً وسبب مرضه تجاوز بعض محارمه وافتضاحها!!) هذا بالنسبة للأب ونجد الوضع أخف بكثير بالنسبة للأم (مع أني لا أنكر تأثرها) فما الذي جعل الأثر قاتلاً على الأب؟ الجواب: لأنه أخل بمسؤوليته ولم يحسن حفظ محارمه ومن حمَّله الله أمانتهم..
إذن فللرجال أخطاء لا يغتفرها المجتمع (ولا الشرع) وتبقى ندبة في جبينهم إلى الأبد..
قد يطالبني البعض بأمثلة واقعية لا علاقة لها بالنساء، فهاكم الأمثلة:
- رجل نزعت منه ولاية أولاده!! لأنه لا يحسن تربيتهم.. هل ينساها المجتمع؟
- آخر سرق سرقة أو أخطأ خطأً ففصل من عمله بسبب هذا الخطأ!! هل ينساها المجتمع؟
- آخر حجر عليه أولاده في ماله!! هل ينساها المجتمع؟
- أخر كُفَّت يده عن العمل لأسباب إدارية.
وغيرها كثير، فإن علم الناس بخطيئة الفتاة، أو خطأ الرجل كانت حفراً على الجبين لا ينسى، وكلما قلَّت هذه الأخطاء وندرت كان أثرها أشد، على العكس لو استمرأها الناس وألفوها (وهنا المصيبة) خف أثرها..
وهذا لا يعني أن الطرف الآخر لا يتأثر؛ ففي موضوعنا المتعلِّق بالعرض والشرف لا أوافق إطلاقاً أن المجتمع يغفر للعربيد الضائع ضياعه!! بل تبقى هذه الندبة إلى الأبد (فالعرض كالزجاج إذا انكسر لا يمكن إصلاحه)
وأنا أعرف عدداً ممن كانت لهم في السابق صولات وجولات فيما حرَّم الله وهم الآن يتخفون من المجتمع خوفاً من ماضيهم الأسود؛ لا يرفع أحدهم طرفه ولا يعترض على أحد خشية أن يمس أحد من السفهاء (جرحه) مع أنه تاب ونسأل الله أن يتوب عليه!!
لكن الفرق بين الرجل والمرأة في هذا أن الرجل قد يستطيع إخفاء (صولاته وجولاته) ظناً منه أن ما يحصل منه يخفى، ولم يعلم أن سنة الله أنه لا شيء يخفى (كما قيل : أي شيء يخفى؟ فقيل : ما لا يكون)، أما الدرة المصونة فإن خطأها وتجاوزها يصعب إخفاؤه (لأن الغالبية العظمى من نسائنا هن من أهل العفة والصلاح)
ختاماً: هناك أمور يتساهل فيها الناس فيما يتعلق بالبنات ويتشددون فيها للأبناء:
* فيتساهلون في تعاهدهن على الصلاة في وقتها _وهو خطأ_ ويؤدون أمانتهم فيما يتعلَّق بالأبناء لأنهم يصلون في المسجد وتخلفهم عن الصلاة (فضيحة)!! _مع أن الناس في السنوات الأخيرة استمرأوا هذا الأمر فتجد البيت مليئاً بالأولاد ويفوت الفريضتان والثلاثة لا ترى منهم أحداً في المسجد_
* ويتساهلون في تعويد البنات على التقصد والتعقل في الصرف؛ فترى البذخ والتجاوز فيما يتعلق بالبنات مما يحاسب عليه الجميع _البنت ووليها_ بينما تجد الوضع بالنسبة للأبناء قريباً من المعقول (وإن كان من الشباب الآن من سبق البنات في كثير من السفاهات)..
عموماً لا أريد أن أطيل عليكم بقدر ما أبدي وجهة نظري في الموضوع لأني أحب المشاركة في مثل هذه المواضيع التي تعطى صورة في المجتمع تخالف الواقع (والمصيبة أن يُلْمَزَ بها البعض وهي ليست على صوابها)
أسأل الله أن يحفظ علينا دررنا المكنونة، ويهدي شبابنا ويحفظهم من كل مكروه؛ وأن يؤلف بين قلوبنا ويجمع ذات بيننا؛ وأن يجمعنا بإخواننا في هذا الملتقى المبارك في جنات النعيم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا..
أخوكم المشفق/ صالح أبو
__________________
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعاً***بالطوب يرمى فيرمي طيب الثمر
|