أشكرك أخي ميمون على ترحيبك العطر .
بالنسبة لقولك :
( الحديث الذي ذكرته ذكر مفرقاً في الصحيحين .. كما هو واضح في أصل الموضوع .. وهما أرجح في الاستدلال مما ذكرت .. حيث يحتمل أن يكون الراوي جمع الحديثين بسياق واحد )
فأنا لا أوافقك على هذا ، فالنص صريح جداً أنه حديث مستقل وأن جميع الحديث مرفوع ، وقد ورد أيضاً عن ابن عمر كما هو عن أبي سعيد ، وليس كما ذكرتَ بأنه يحتمل أن الراوي جمع الحديثين ، فهل أنت تضعف الحديث وتظن أنه خطأ من الراوي ؟ ومن هو الراوي الذي أخطأ به وجمع الحديثين ؟ أما أن تقول بأنه يحتمل بلا بينة فلا أوافقك .
وبالنسبة لقولك :
( ولو صح الاستدلال بهذا الحديث على حرمة الإسبال من دون خيلاء لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء ، ولقال له شيئاً آخر كأن يخبره أن هذا معفو عنه أو أنه لا يشمله هذا الحكم ... أو غير ذلك ..)
تقدم كلام الشيخ محمد والألباني رحمهما الله على هذا وهو بيّن ، وأما قوله عليه الصلاة والسلام : " إنك لست ممن يفعل ذلك خيلاء " فإن الحديث الذي فيه القصة هو بما يتعلق بالخيلاء ونص الحديث كاملاً هو :
" عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي إِلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ مِنْهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلَاءَ " رواه البخاري .
وتذكر أن أبا بكر لا يفعل ذلك عن قصده واختياره بل بسبب نحافته كما ورد ببعض الروايات ، وأيضاً انتبه إلى أن الخيلاء أو الاختيال مذموم حتى دون إسبال .
وأما قولك :
( ولو صح أيضاً لم يجز لابن مسعود رضي الله عنه أن يسبل لاستدقاق ساقيه (وقد ذكر العلماء هذا فيمن يسبل لحاجة) ، ولكن هل ترى أن استدقاق الساقين حاجة تدعو لإباحة أمر محرم ؟؟ ربما تدعو إلى عدم كراهة أمر مكروه فقط أما التحريم فبعيد .. )
بل ابن مسعود رضي الله عنه يرى بأنها حاجة تبيح له ذلك كما هو ظاهر كلامه ( إني حمش الساقين ) وأيضاً ذكره لسبب إسباله عندما قيل له بذلك دل على أنه عندهم غير مباح ، وأيضاً لو كان المحرم فقط الخيلاء لما استنكروا عليه لأنهم يتيقنون بأنه لا يفعله عن خيلاء ، وأيضاً لقال لهم : إني لا أفعله عن خيلاء والله أعلم .
وأيضاً كما قال الحافظ ابن حجر : أن ابن مسعود لعله لم تبلغه قصة عمرو بن زرارة . وقصة عمرو بن زرارة ذكرها ابن حجر في الفتح قد روى الطبراني وغيره من حديث أبي أمامة قال : " بينما نحن مع رسول الله إذ لحقنا عمرو بن زرارة الأنصاري في حلة إزار ورداء قد أسبل فجعل رسول الله يأخذ بناحية ثوبه ويتواضع لله ويقول : عبدك وابن عبدك وأمتك حتى سمعها عمرو فقال : يا رسول الله إني حمش الساقين . فقال : ياعمرو إن الله أحسن كل شيء خلقه يا عمرو إن الله لا يحب المسبل " قال الحافظ : رجاله ثقات .
وذكر الحافظ أيضاً حديث الشريد الثقفي قال : أبصر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قد أسبل إزاره فقال : ارفع إزارك . فقال : إني أحنف تصطك ركبتاي . قال : ارفع إزارك فكل خلق الله حسن . والله أعلم .
وعندي استفسار : ما يتعلق بفتوى الشيخ ابن باز فأنت ذكرت وفقك الله بأنه يرى أن الإسبال كبيرة مطلقاً سواء لخيلاء أو لغير الخيلاء فأين أجد كلامه بارك الله فيك لحاجتي إلى قراءته ؟
تنبيه : ما يتعلق بمسألة عدم قبول صلاة المسبل رأيت حديثاً رواه أبو داود في سننه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( فإن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره ) ويحتاج إلى بحث عن صحته ولعلي أبحثه لاحقاً ، وقد ذكر النووي في رياض الصالحين أن إسناده صحيح على شرط مسلم ، وقد ضعف الحديث الألباني ولم أبحث جيداً فيه لأنه يحتاج إلى وقت والله أعلم .
نرجع إلى المسألة :
هناك بعض الأدلة لمن ذهب إلى القول بتحريم الإسبال لغير خيلاء ومنها :
1 / جاء في المسند من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الإزار إلى نصف الساق فلما رأى شدة ذلك على المسلمين قال : إلى الكعبين لا خير فيما أسفل ذلك "
فهذا الحديث عند التأمل يدل على المنع مطلقاً والله أعلم .
2 / حديث المغيرة عند النسائي ابن ماجه وأحمد وابن أبي شيبة وغيرهم وصححه ابن حبان وحسنه الألباني قال المغيرة : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بحجزة سفيان بن سهل الثقفي وهو يقول يا سفيان بن سهل لا تسبل إزارك إن الله لا يحب المسبلين "
ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى سفيان ، وليس فيه أن سفيان يفعل ذلك اختيالاً .
3 / حديث حذيفة رضي الله عنه عند الترمذي وصححه قال : " أخذ رسول الله بعضلة ساقي أو ساقه فقال : هذا موضع الإزار فإن أبيت فأسفل فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين "
فهذا الحديث يفيد أيضاً النهي عن ذلك ولم يأت ذكر الخيلاء ، وهذه القصة محل توجيه وبيان فلا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة كما هو متقرر ، بل قال النبي عليه الصلاة والسلام لحذيفة : " فإن أبيت فلا حق للإزار في الكعبين " فتأمل به جيداً غير مأمور .
ولعلي أكتفي بهذا القدر والله أعلم ، واعلم أني لا أناقش ولكن فقط لأبين ما أنا مقتنع به من الأدلة لأجل أن ينظر فيها من يريد بحث المسألة والله أعلم .
__________________
قال صلى الله عليه و سلم:(( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ العلى العظيم ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاتُهُ )) رواه البخاري .تعارَّ من الليل : أي هبَّ من نومه واستيقظ . النهاية .
|