بسم الله الرحمن الرحيم
المسألة الثانية :
استخدام مكبر الصوت الداخلي
قبل الحديث عن هذه المسألة أحب القول :
إن من واجبات الإمام أن يتعلّم أحكام الصلاة وأحكام هذه الوسائل التي يستخدمها في صلاته فهو مسؤول عند الله عن هذا .
ولهذا ورد بالحديث أن الإمام (( ضامن )) وليس ضمانه لصحة صلاة الجماعة وتمام إقامتها بالأمر الهيّن الذي يجعله يتساهل في دراسة أحكامها .
أقول هذا لآن الملاحظ أن كثيرا من الآئمة لا يدري عن أحكام الصلاة كلّها ولا عن كلام علماء عصره في هذه الوسائل وضوابط استخدامها , وإنما يرى غيره يفعل فيقلّد غير عالم بصواب العمل من خطئه !
سأتطرق لمخالفتين في هذه المسألة :
أولاهما : شبهة كان الأولى تركها اتقاءً للشبهات , هي استخدام المكبر لا لإسماع المأمومين , بل لتحسين الصوت .
والثانية : مخالفة شائعة تكثر في الأئمة هدى الله من وقع فيها للصواب , هي رفع صوت المكبّر إلى حدّ إزعاج آذان المأمومين !
عن الأولى أقول :
* إن استخدام مكبر الصوت أثناء الصلوات استخداما شرعيا لا جدل فيه إنما يكون لهدف واحد ليس غير , هو إسماع صوت الإمام في تكبيراته وقراءته للمأمومين خلفه .
وهذا استخدام طيب مطلوب فلو لم يكن لشق على المأمومين متابعة الإمام لعدم سماعهم تكبيراته وقراءته سماعا يحقق القصد من الائتمام وهو المتابعة والتعبّد بسماع القرآن الكريم .
* فليس المكبّر لنداء الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا -
فالله سبحانه هو الذي عندما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل ربنا بعيد فنناديه أو قريب فنناجيه أنزل جوابا لسؤاله هو قوله سبحانه وتعالى : {
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة (186)
وفيه كما ترى دليل على أن الله السميع البصير الحكيم الخبير ليس بحاجة إلى أن نرفع أصواتنا ليسمعنا تعالى عن هذا علوا كبيرا .
ولهذا عدّ العلماء رفع الصوت بالدعاء من الاعتداء المنهي عنه , وفعلنا ما نهانا الله عن أن نفعله عند مناجاته قد يجلب سخطه وعقابه بدل رضاه ورحمته وقبوله سبحانه .
* وليس لتحسين الصوت , ولو كان لهذا لوجدنا له دليلا من السنة أو عمل السلف الصالح , فلعله لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه -رضي الله عنهم - يرون حسن هذا التحسين بالآلات ومشروعيته عند الله لاتخذوها وصلّوا بها لتـُحَسِّن أصواتهم .
فقد كانوا يستطيعون اتخاذ مزامير أو أبواق ونحوها مما كان معروفا متاحا سهلا في زمنهم يحسّن به الناس أصواتهم .
فإذ لم يفعلوا فلعلّه دليل على أنهم لا يرون تحسين صوت الإمام بأية وسيلة غير جبلّة الله التي جبل صوته عليها .
إن هذه المكبّرات اليوم ما هي إلا نوع من الأبواق نستخدمها لنطيل مدى الصوت .
فهل أئمة المساجد يستخدمونها لمدّ أصواتهم كي يسمعها من خلفهم أو أنهم يريدون من ورائها تحسين أصواتهم ؟
إن من أئمة المساجد من يستخدمها لإسماع المأمومين , ولهذا تجده عند كثرة المأمومين يستخدمه وعند قلتهم يتركه
وما زلنا نصلّي مع أئمة لا يستخدمون المكبرات لعلمهم أن أصواتهم تبلغ المأمومين كلهم بوضوح .
لكن منهم من يجعلها وسيلة لتحسين الصوت , لا يريد شيئا غير هذا !
ولهذا يكثر أن ترى أئمة يصلون بالمكبرات وليس خلفهم إلا الرجلين والثلاثة أوالسطر القصير والسطرين! فهذا لا يقصد بحال إسماع هؤلاء المأمومين القلّة خلفه , وإنما يريد تحسين صوته .
فهل لاستخدام هذا ( المزمار ) لتحسين الصوت دليلا شرعيا ولو بالقياس ؟ لا أجد هذا.
ولهذا فهذا الاستخدام لهدف تحسين الصوت سيكون محل جدل واختلاف .
ونحن نعلم أنه في أمور الدنيا ما كان ما كان جوازه أو حرمته محل جدل لا راجح فيه فهو من المتشابه الذي تركه من صفات المؤمنين المتقين , الذين يستبرؤون لدينهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلّم .
فكيف بمتشابه في أمر عبادة هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين ! وأعظم الأهمال عند الله , والتي لا ينظر الله إلى همل عبد يوم القيامة إلا بعد نظره في إقامته لصلاته ؟!
حرّي بأئمتنا الفضلاء المرابطين أن يتركوا هذه الأمور المشتبهة براءة إلى الله قي عمل يتببعهم فيه كل من خلفهم في كل صلاة مدى الزمان ما داموا أئمة .
هذا ما تيسّر عن المخالفة الأولى
أمّا الثانية , وهي مخالفة شائعة يكثر في الأئمة هدى الله من وقع فيها للصواب , هي رفع صوت المكبّر إلى حدّ إزعاج آذان المأمومين ! فأتركها لتعقيب آخر – إن شاء الله - لعدم إطالة الحديث هنا .
والله أعلم
.