مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 26-08-2007, 05:57 PM   #50
الثائر الأحمر
عـضـو
 
صورة الثائر الأحمر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
[ 15 ]

عائلة جامع القرعاوي !

جامع القرعاوي.. !

أين الذين عَهِـدتُهُم بك مرَّة
كأن الزمـان بهم يَضر وينفعُ
أيام لا يغشى لـذِكرك مربعٌ
إلا وفيـه للـمكارم مـرتـعُ

هنيئًا لمساجد عمرها أقوام بديمومة من ذكر الله – عز وجل - ، وهنيئا لأقوام صرفوا أوقاتهم للباقيات الصالحات مما تخلد النفع لهم في الدنيا والآخرة ، ويجدون بها الحياة الحقيقية لقلوبهم ، فيما لا زال آخرون يدعون البحث عن حياة قلوبهم ، وانتعاش أرواحهم ، وهم مستسلمون للأهواء ، راضخون للشهوات ، جبنوا عن مجاهدة أنفسهم ؛ بحجة الصراع مع هذه الأمارة بالسوء ، " وأمر الله يَطْرُق كل ليلة " ، رحلت جموعٌ أجّلت التوبة ، وسوّفت في المجاهدة ، فلن تغني عنهم حجج أوهن من بيت العنكبوت ، الصراع مع النفس.. القناعة العقلية بترك المعصية ... إلخ ، وسيسأل الرُّحَّل عن أعمارهم فيما أفنوها ، وعن أوقاتهم فيما صرفوها ، وعن أموالهم أين أنفقوها ... ( من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد ) .

سكنت قريبًا من جامع القرعاوي ، ليس بيني وبينه إلا ثلاثة دقائق مشيًا ، وقد دلني عليه أمير شقتنا تركي في الأيام الأولى من سكني في الشقة ، وذلك لما علم أنني من المعجبين بقراءة كبار السن من أمثال الشيخ السبيل إمام الحرم المكي ؛ لأن إمام جامع الملك فهد من هذه الفئة وهو فضيلة الشيخ عبدالله القرعاوي – وفقه الله تعالى - .

صليت أول مرة عنده صلاة المغرب ؛ فأعجبني صوته ، كما أنه قد أعجبني الجامع ، ومنذ ذلك اليوم تطفلت على قوم عمروا هذا الجامع بذكر الله – تعالى - ، أذكر منهم شيخ كبير في السن ، قوي البنية ، منير الوجه ، يلبس الأبيض من الثياب مع بياض لحيته ، فكان نورًا على نور ... كما يُقال : حمامة مسجد ، يستحضر كتاب الله - تعالى – بإتقان ، كثير الجلوس بالمسجد ، بل يجلس فيه غالب يومه يقرأ كتاب الله تعالى ، ولا يشغل وقته إلا بقراءته ، مع حرصه على صيام الاثنين والخميس ، بل وما تيسر من بقية الأيام ، حيث كان يفطر في المسجد ، كلما أتذكره أعجب منه ، ومن همته وصبره على طاعة الله – تعالى - .

وطفل لم يبلغ الرابع عشرة من العمر ، يقضي وقتا طويلا في قراءة القرآن ، وحين يتعب يقف يصلي طويلا ومعه المصحف يقرأ منه ، وكنت أخجل من نفسي حين أسمع نشيجه الذي يحاول إخفاءه ، في حين أنني أسابق الأسطر حين قراءتي لكتاب الله تعالى .

ومن أرباب المسجد ( ابن القيم ) .. أو ما نلقبه بابن القيم ، شيخ في الستين من عمره ، من الواضح أنه من عشاق كتب ابن القيم – رحمة الله عليه - ، كثير الجلوس في المسجد ، جلس إلينا أنا وصاحبي الذي أسمّع عليه ، وكان حديثه في الرقائق ، وغالبًا ما يستشهد بكلام ابن القيم – رحمه الله تعالى - في أمراض القلوب وطبّها ، وكان نعم الأنيس في الجامع .

وآخرون أرخت الأيام بين ذاكرتي وبينهم ، كانوا يجتمعون في مجلس ذكر يقرؤون على الشيخ عبدالله القرعاوي بعض الكتب الشرعية في وقت المغرب ، وهي ما يسميها البعض الطريقة التقليدية في طلب العلم ، ولا أعلم سببًا لاحتقار البعض لهذه الطريقة أو السخرية بها مع أن هناك علماء كبارًا طلبوا العلم بهذه الطريقة ، وبارك الله – تعالى – في علمهم ونفع بهم .

سقى الله أيامًا كنت آنس فيها برؤية هذه الوجوه ، وأعايش أعمالهم وجهودهم ، بعد السنة الأولى انقطعت سنة كاملة عن الجامع إذ دخلت في وسط حي الخالدية ( خبيب ) وكان هناك جامع قريب جدا من مكان سكني في السنة الثانية ، فتكاسلت عن الذهاب للجامع ، وفي آخر أيام السنة الدراسية الثانية صليت العشاء في الجامع ففقدت أكثر من أعرف من أولئك القوم الذين كانوا يعمرون الجامع... وحتى هذه السنة ، خصوصًا الشيخ الكبير ذا اللحية البيضاء ، ولم يسعفني للذكرى فيخرجني من إطار اللحظة إلى روحانية تلك السّنة إلا صوت الشيخ القرعاوي حين يتغنى بالقرآن .

مهما سارت بنا الدنيا ، ودفعتنا الأيام ، ومهما خضنا فيها ما خضنا ؛ فإن كفّة التقوى لدينا والصراط المستقيم والبحث عن الحق ؛ تَمِيل بحسب جهدنا في الجانب التعبدي ، فإن خفّت كفّته فعلينا مراجعة ما نصرف به أيامنا مما نلهي به أنفسنا سواء كنا نحسَبُه عملا خيِّرًا أو حلالا أم لا ، وربما يكون حرامًا ونوهم أنفسنا بأننا نأخذ المفيد منه ونترك القبيح وذلك بعد أن ننغمس في هذا القبيح فترة من الزمن (!!) ، وإن ثقلت الكفّة فأنت على خير مادمت تسير على بصيرة مستشيرًا ومستخيرًا ... هذه كليمة أرغمت نفسها هنا لذكرى جامع القرعاوي وأقوام عمروه بقراءة القرآن الذي قصرنا معه أيما تقصير ، أصلح الها قسوة قلوبنا .

سقى الله أيام أولئك الأحبة في الله خيرًا وصحة وثباتا على العمل الصالح . آمين
__________________
يا صبر أيوب !
الثائر الأحمر غير متصل