التنبيه السادس
وَيُجْتَنَبُ التطويل بما يشق على المأمومين,ويزيد أَضعافاً على الدعاء الوارد,فيحصل من المشقة,واستنكار القلوب,وفُتُوْرِ المأمومين,مما يؤدِّي إلى خطر عظيم,يُخْشى على الإمام أَن يلحقه منه إِثم.
وقد اختلفت الرواية عن الإمام أَحمد رحمه الله تعالى في مقدار القنوت في الوتر على ثلاث روايات:
1- بقدر سورة

إذا السماء انشقت).
2- بقدر دعاء عمر رضي الله عنه ويأتي.
3- كيف شاء.
لكن إذا كان القانت إماماً فلا يختلفون في منع التطويل الذي يشق بالمأمومين.
وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه لما أَطال في صلاة الفرضية

(أفتانٌ أنت يا معاذ؟)) فكيف في هذه الحال!
التنبيه السابع
وَيُجْتَنَبُ إيراد أدعية تَخْرُجُ مَخْرَجَ الدُّعاء,لكن فيها إِدْلاَلٌ على الله تعالى
حتى إِنَّك لتسمع بعضهم في أول ليلة من رمضان يدعو قائلاً

(اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا)) وقد يدعو بذلك في آخر رمضان,ولا يقرنه بقوله

(وتجاوز عن تقصيرنا,وتفريطنا)).
التنبيه الثامن
وَيُتْرَكُ زيادة أَلفاظ لا حاجة إليها,
في مثل قول الدَّاعي((اللهم انصر المجاهدين في سبيلك)) فيزيد

(في كل مكان)) أو يزيد

( فوق كل أرض وتحت كل سماء)) ونحو ذلك من زيادة أَلفاظٍ لا محل لها,بل بعضها قد يحتمل معنى مرفوضاً شرعاً.
ومن الأَلفاظ المولَّدة لفظة

(الشَّعْب)) في الدُّعاء المخترع

(واجعلهم رحمة لشعوبهم....)).
وهو من إِطلاقات اليهود من أنهم

(شعب الله المختار)).
ولا يلتبس عليك هذا بلفظ

(الشعب)) في باب النسب, فلكل منهما مقام معلوم لغة.
ومن الدعاء بأساليب الصحافة والإعلام,قول بعض الداعين للأمة الإسلامية

(وهي تَرْفُلُ في ثوب الصحة والعافية)) فمادة

(رَفَلَ)) مدارها على التبختر,والخيلاء,كما في الحديث المرفوع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال

( مثل الرافلة في الزينة في غير أهلها كمثل ظلمة يوم القيامة لا نور لها )) رواه الترمذي . الرافلة:أي: المتبخترة.
فانظر كيف يحصل الدعاء بأن تقابل النعمة بالمعصية.
وهكذا يفعل التجاوز للسُّنن,وهجر التفتيش بكتب العرب.
التنبيه التاسع
ولا يأتي الإِمام بأَدعية ليس لها صفة العموم,بل تكون خاصة بحال ضُرًّ,أَو نُصْرَةٍ,ونحو ذلك.
ومنه الدُّعاء بدعاء نبي الله موسى عليه السلام في سورة طه:25/35 إلى قوله: ((وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي)) إلى آخر الآيات.
ومنه:دعاء الإِمام بمن معه: ((اللهم أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا,وَتَوَفَّنَا إِذا كانت الوفاة خيراً لنا)).
لما ثبت في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه قال,قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدكم الموت من ضُرًّ أَصابه,فإن كان لابد فاعلاً,فليقل: ((اللهم أَحيني...)) الحديث.
وعليه ترجم لنووي رحمه الله تعالى في ((الأَذكار)) بقوله: ((باب كراهية تمني الموت لضر نزل بالإِنسان وجوازه إذا خاف فتنة في دينه)).
وما ورد بنحوه مطلقاً,محمول على هذا المقيد.
التنبيه العاشر
ليس من حق الإِمام أَن يُرَاغِمَ المأمومين , ولا أن يُضَارَّهم بوقوف طويل يشق عليهم,ويُؤمَّنُوْنَ مَعَهُ على دعاء مخترع لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أَو يكونوا في شك من مشروعيته,وبينما هو في حال التغريد والانبساط فهم في غاية التحرج والانزعاج.
ولو سمع بعض الأَئمة ما يكون من بعض المأمومين بعد السلام من تألم , وشكوى من التطويل , وأَدعية يؤمن عليها ولا يعرفها , وتستنكرها القلوب ,لرجع إِلى السنة من فوره.
فيجب على من وفقه الله وأمَّ الناس في الصلاة. أَن يتقيد بالسنة,وأَن لأّ يُوَظَّفَ مزاجه,واجتهاداته مع قصور أَهليته,وأَن يستحضر رهبة الموقف من أنه بين يدي الله تعالى وفي مناجاته,وأَنه في مقام القُدْوةِ,وَتَلَقُّن المسلمين للقنوت المشروع,ونشره,وتوارثهم له.
ومن اسْتَحْضَرَ هذه المعاني في قلبه , لم يقع في شيء من ذلك , نسال الله سبحانه البصيرة في دينه , وأَن لا يجعله ملتبساً علينا فَنَضِل.
كما يجب على المأموم إِحسان الظن بإِمامه في الصلاة,وأَن يتحلى بالتحمل , وأَن لا يبادر إِلى الاستنكار إِلاَّ بعد التأكد من أَهل العلم الهداة , ومن ثم يكون تبادل النصيحة بالرفق واللين , والبعد كل البعد عن الشنيع , وإلحاق الأَذى به , وَمَنْ فَعَلَ فقد احتمل إِثْماً.
ولقد لوحظ أن بعض المأمومين لا يتابع الإِمام برفع اليدين للدعاء والتأمين,وهذه مشاقة وحرمان.
الفصل الثاني
دعاء قنوت الوتر المشروع وضوابط الزيادة فيه
وهنا يحسن بيان الدعاء المشروع في ((قنوت الوتر))
بضوابطه الشرعية وهي:
1- على الإمام القانت في: ((صلاة الوتر)) التزام اللفظ الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي عَلَّمه سبطه الحسن بن علي رضي الله عنهما فيدعو به بصيغة الجمع مراعاة لحال المأمومين,وتأمينهم عليه,ونصه:
((اللهم اهدنا فيمن هديت,وعافنا فيمن عافيت,وتولنا فيمن توليت,وبارك لنا فيما أَعطيت,وقنا شَرَّ ما قضيت,فإِنَّك تقضي ولا يُقضى عليك,وإِنَّه لا يَذِلُّ من واليت,وَلاَ يَعِزُّ من عاديت,تباركت ربنا وتعاليت.لا منجا منك إِلاَّ إليك)).
وعن أَمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أَن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره:
((اللهم إِنَّا نعوذ برضاك من سخطك,وبعفوك من عقوبتك,وبك منك,لاَ نُحْصي ثَنَاءً عليك,أَنت كما أَثنيت على نفسك)).
ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم في آخر قنوت الوتر,منهم:أُبي ابن كعب,ومعاذ الأنصاري رضي الله عنهما.
وَلْيُتَنَبّه فإِن ضبط لفظ

( ولا يَذِلُّ )) بفتح الياء,وكسر الذال.وضبط لفظ

( ولا يَعِزُّ )) بفتح الياء وكسر العين.
2- ليحرص الإِمام على أَداء الدعاء بالكيفية الشرعية,بضراعة,وابتهال,وصوت بعيد عن التلحين والتطريب.
3- إِن زاد على الوارد المذكور,فعليه مراعاة خمسة أُمور:
1. أَن تكون الزيادة من جنس المدعو به في دعاء القنوت المذكور.
2. وأَن تكون الزيادة من الأَدعية العامة في القرآن والسنة.
3. وأَن يكون محلها بعد القنوت الوارد في حديث الحسن,وقبل الوارد في حديث علي رضي الله عنهما.
4. وأَن لا يتخذ الزيادة فيه شعاراً يداوم عليه.
5. وأَن لا يطيل إِطالة تشق على المأمومين.
4- قد يحصل من الأمور العارضة ما يأتي لها الداعي من إِمام وغيره بدعاء مناسب لها,كالاستغاثة حَالَ الجَدْبِ,لكن لا يجعله راتباً لا يتغير بحال.
وَمَنْ أَعْمَلَ هذا الفرق بين الدعاء الراتب,والدعاء لأَمْرٍ عارض,كسب السنة,وانحلت عنه إِشكالات كثيرة.
ومن ذلك دعاء أَمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وهو:
((اللهم إِنَّا نستعينك ونستغفرك,ولا نكفرك,ونؤمن بك,ونخلع من يفجرك,اللهم إِيَّاك نعبد,ولك نصلي ونسجد,وإِليك نسعى ونَحْفِد,نرجو رحمتك ونخشى عذابك,إِنَّ عذابك الجِدَّ بالكفَّار مُلْحْق.
اللهم عَذَّب الكفرة الذين يصدون عن سبيلك,ويكذبون رسلك,ويقاتلون أَولياءك,ولا يؤمنون بوعدك,وخالف بين كلمتهم,وأَلق في قلوبهم الرعب,وأَلق عليهم رجزك وعذابك,إِلَهَ الحق.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات,والمسلمين والمسلمات,وأَصلح ذات بينهم,وأَلِّف بين قلوبهم,واجعل في قلوبهم الإِيمان والحكمة,وثبتهم على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأَوزعهم أَن يوفوا بعهدك,الذي عاهدتهم عليه,وانصرهم على عدوك وعدوهم,إِلهَ الحق,واجعلنا منهم)).
ومن العلماء من قال بعمومه في الوِتر,وهو مذهب الحنابلة.