روى ابن ماجة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعَزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي "
و أم أيمن لما بكت على وفاة رسول الله ، قيل لها أتبكين ؟ ، قالت (إني ـ والله ـ قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيموت ، ولكن إنما أبكي على الوحي الذي انقطع عنا من السماء)
لهذا سأنقل ختام حياة سيد الخلق أجمعين " عليه وعلى آله أتم الصلاة والتسليم " ، مع التأكيد على أن هناك نصوص لم أتحقق من صحتها " مع كثرة الأخبار الواردة في هذا " ، لأني على عجلة من أمري ومشغول بشئون سفري الذي أهم به الآن وسأنقطع بسببه لأيام ، حتى أعود إليكم إن شاء الله أترككم مع سرد لخبر وفاته صلى الله عليه وسلم
قبل الوفاة كانت آخر حجة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حجة الوداع...
وبينما هو هناك ينزل قول الله عز وجل (اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)...
فبكى أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم " ما يبكيك في الآية " فقال: " هذا نعي رسول الله عليه السلام "
ورجع الرسول من حجة الوداع وقبل الوفاة بتسعة أيام نزلت آخر آية في القرآن (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون )
وبدأ الوجع يظهر على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال أريد أن ازور شهداء احد، فراح لشهداء احد ووقف على قبور الشهداء وقال: السلام عليكم يا شهداء احد انتم السابقون ونحن إن شاء الله بكم لاحقون واني بكم إن شاء الله لاحق ، وهو راجع بكى الرسول فقالوا: "ما يبكيك يا رسول الله " قال: " اشتقت لأخواني " قالوا: "أوولسنا إخوانك يا رسول الله " قال: " لا ، انتم
أصحابي أما إخواني فقوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولا يروني "
وقبل الوفاة بثلاث أيام بدأ الوجع يشتد عليه فداه أبي وأمي ، وكان ببيت ميمونة فقال : "اجمعوا زوجاتي " فجمعت الزوجات فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أتأذنون لي أن امرض ببيت عائشة فقلن أذنا لك يا رسول الله " فأراد أن يقوم فما استطاع فجاء علي بن أبي طالب والفضل بن العباس فحملوا النبي فخرجوا به من حجرة ميمونة إلى حجرة عائشة ، و الصحابة لأول مرة يروا النبي محمول على الأيادي فتجمع الصحابة وقالوا: "مالِ رسول الله مالِ رسول الله " وبدأ الناس بالتجمع بالمسجد و بدأ المسجد يمتلأ بالصحابة ويحمل النبي إلى بيت عائشة فيبدأ الرسول يعرق ويعرق و يعرق وتقول عائشة : لم أرى أحداً يعرق كهذا العرق " فتأخذ يد الرسول وتمسح عرقه بيده ، تقول عائشة: "إن يد رسول الله أطيب وأكرم من يدي فلذلك امسح عرقه بيده هو وليس بيدي أنا" (فهذا تقدير للنبي)
تقول عائشة فأسمعه يقول: " لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات " فكثر اللفظ أي (بدأ الصوت داخل المسجد يعلو ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما هذا؟ " فقالت عائشة: " إن الناس يخافون عليك يا رسول الله " فقال: " احملوني إليهم " فأراد أن يقوم فما استطاع ، فصبوا عليه سبع قرب من الماء لكي يفيق فحمل النبي وصعد به إلى المنبر فكانت آخر خطبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .....
قال : " أيها الناس كأنكم تخافون علي " قالوا: " نعم يا رسول الله " فقال الرسول صلى الله عليه
وسلم: " أيها الناس موعدكم معي ليس الدنيا، موعدكم معي عند الحوض، والله و لكأني انظر إليه من مقامي هذا، أيها الناس والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم الدنيا إن تتنافسوها كما تنافسها اللذين من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم " ثم قال صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس الله الله بالصلاة الله الله بالصلاة " فظل يرددها
ثم قال: " أيها الناس اتقوا الله في النساء، أوصيكم بالنساء خيرا " ثم قال: " أيها الناس إن عبداً خيّره الله بين الدنيا وبين ما عند الله فأختار ما عند الله " فما احد فهم من هو العبد الذي يقصده فقد كان يقصد نفسه إن الله خيّره ولم يفهم سوى أبو بكر الصديق
وكان الصحابة معتادين عندما يتكلم الرسول يبقوا ساكتين كأنه على رؤوسهم الطير فلما سمع أبو بكر كلام الرسول فلم يتمالك نفسه فعلا نحيبه وفي وسط المسجد قاطع الرسول وبدأ يقول له: " فديناك بآبائنا يا رسول الله فديناك بأمهاتنا يا رسول الله فديناك بأولادنا يا رسول الله فديناك بأزواجنا يا رسول الله فديناك بأموالنا يا رسول الله " و يردد فنظر الناس إلى أبو بكر شظراً (كيف يقاطع الرسول بخطبته) فقال الرسول: " أيها الناس فما منكم من احد كان له عندنا من فضل إلا كافأناه به إلا أبو بكر فلم استطع مكافأته فتركت مكافأته إلى الله تعالى عز وجل كل الأبواب إلى المسجد تسد إلا أبواب أبو بكر لا يسد أبدا "
ثم بدأ يدعوا لهم ويقول آخر دعواته قبل الوفاة : " أراكم الله حفظكم الله نصركم الله ثبتكم الله أيدكم الله حفظكم الله " وآخر كلمة قالها قبل أن ينزل عن المنبر موجه للأمة من على منبره " أيها الناس اقرءوا مني السلام على من تبعني من أمتي إلى يوم القيامة " وحُمل مرة أخرى إلى بيته
دخل عليه وهو بالبيت عبد الرحمن ابن أبو بكر وكان بيده سواك فظل النبي ينظر إلى السواك ولم يستطع أن يقول أريد السواك فقالت عائشة " فهمت من نظرات عينيه انه يريد السواك فأخذت السواك من يد الرجل فأستكت به لكي ألينه للنبي وأعطيته إياه فكان آخر شي دخل إلى جوف النبي هو ريقي " فتقول عائشة: " كان من فضل ربي عليّ انه جمع بين ريقي وريق النبي قبل أن يموت "
ثم دخلت ابنته فاطمة فبكت عند دخولها. بكت لأنها كانت معتادة كلما دخلت على الرسول وقف وقبلها بين عينيها ولكنه لم يستطع الوقوف لها فقال لها الرسول: " ادني مني يا فاطمة " فهمس لها بأذنها فبكت ثم قال لها الرسول مرة ثانية: " ادني مني يا فاطمة " فهمس لها مرة أخرى بأذنها فضحكت
فبعد وفاة الرسول سألوا فاطمة " ماذا همس لك فبكيتي وماذا همس لك فضحكت! " قالت فاطمة : " لأول مرة قال لي يا فاطمة إني ميت الليلة ، فبكيت ! ولما وجد بكائي رجع وقال لي: أنت يا فاطمة أول أهلي لحاقاً بي فضحكت! "
ثم قال الرسول: " اخرجوا من عندي بالبيت " وقال " ادن مني يا عائشة " ونام على صدر زوجته عائشة تقول عائشة: " كان يرفع يده للسماء ويقول (بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى) فتعرف من خلال كلامه انه يُخّير بين حياة الدنيا أو الرفيق الأعلى "
فدخل الملك جبريل على النبي وقال: "ملك الموت بالباب ويستأذن أن يدخل عليك وما استأذن من احد قبلك " فقال له " ائذن له يا جبريل " ودخل ملك الموت وقال: " السلام عليك يا رسول الله أرسلني الله أخيرك بين البقاء في الدنيا وبين أن تلحق بالله " فقال النبي: " بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى " وقف ملك الموت عند رأس النبي وقال: " أيتها الروح الطيبة روح محمد بن عبد الله اخرجي إلى رضا من الله ورضوان ورب راض غير غضبان "
تقول عائشة: " فسقطت يد النبي وثقل رأسه على صدري فقد علمت انه قد مات " وتقول " ما ادري ما افعل فما كان مني إلا أن خرجت من حجرتي إلى المسجد حيث الصحابة وقلت مات رسول الله مات رسول الله مات رسول الله فأنفجر
المسجد بالبكاء فهذا علي ابن أبي طالب أُقعد من هول الخبر، وهذا عثمان بن عفان كالصبي يأخذ بيده يميناً ويساراً وهذا عمر بن الخطاب قال: إن قال أحد أن رسول الله قد مات سأقطع رأسه بسيفي إنما ذهب للقاء ربه كما ذهب موسى للقاء ربه أما أثبت الناس كان أبو بكر رضي الله عنه فدخل على النبي وحضنه وقال و اخليلاه و احبيباه و اابتاه وقبّل النبي وقال: طبت حياً وطبت ميتاً فخرج أبو بكر رضي الله عنه إلى الناس وقال: (من كان يعبد محمد فمحمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله باق حي لا يموت )
ما بـال عيـنك لا تـنام كأنما *** كـحلت ما فـيها بكحل الأرمد
جزعا على المهدي أصبح ثاويا *** يا خير من وطئ الحصى لا تبعد
وجهي يقيك الترب لهفي ليتني *** غيبت قبلك في بقيع الغرقد
بأبي وأمي من شهدت وفاته *** في يوم الاثنين النبي المهتدي
فظللت بعد وفاته متبلدا *** متلددا يا ليتني لم أولد
أأقيم بعدك بالمدينة بينهم *** يا ليني صبحت سم الأسود
أو حل أمر الله فينا عاجلا *** في روحة من يومنا أو من غد
فتقوم ساعتنا فنلقي طيبا *** محضا ضرائبه كريم المحتد
يا بكر آمنة المبارك بكرها *** ولدته محصنة بسعد الأسعد
نورا أضاء على البرية كلها *** من يهد للنور المبارك يهتدي
يا رب فاجمعنا معا ونبينا *** في جنة تثني عيون الحسد
في جنة الفردوس فاكتبها لنا *** يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد
والله اسمع ما بقيت بهالك *** إلا بكيت على النبي محمد
يا ويح أنصر النبي ورهطه *** بعد المغيب في سواء الملحد
ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا *** سودا وجوههم كلون الإثمد
ولقد ولدناه وفينا قبره *** وفضول نعمته بنا لم نجحد
والله أكرمنا به وهدى به *** أنصاره في كل ساعة مشهد
صلى الإله ومن يحف بعرشه *** والطيبون على المبارك أحمد
__________________
فـاطر السـماوات والأرض أنت وليي في الـدنيا والآخـرة تـوفـني مـسـلـماً وألـحـقـنـي بـالـصـالـحـيـن
|