مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 14-09-2007, 07:02 PM   #13
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم الثاني والثلاثون.. السابع من سبتمبر

صوت المذياع يخبو ويبتعد شيئاً فشيئاً. آن للصحبة بيننا أن تنتهي ! . صوته كصوتي ناعب وأجش .

شهر كامل لم أتناول شيئاً وما زلت حياً !! ولكن بمجرد أن تنفد مُدخرات هذه الآلة، لن تقوى على

رفقتي .

لا أستطيع التوقف عن الارتجاف رغم المعطف والجوارب والقفازات. لو استمرت الأمور هكذا فسأموت

برداً لا جوعاً , حتى لو فكرت بالخروج وإشعال النار لأصطلي فإنني لن أملك القوة على جمع الحطب.

سأكون في النعيم لو تناولت كوباً من الشاي على موقد شتوي.


اليوم الثالث والثلاثون .. الثامن من سبتمبر

آلام معدتي تتناوب علي كينابيع المياه الحارة التي تطلق حممها بين حين وآخر. بدأ جسدي يتناغم مع

الأعماق.

لا أقوى على التفكير عندما يداهمني الألم , وعندما يهدأ أستطيع أن أكتب خواطري بهذه الطريقة.

يحق للزاهدين تحمل الآلام والجوع والبرد، ما من شك في أن إيمانهم أوصلهم إلى نهاية الطريق ,

ولكن ما معني كل ذلك لغير المصدقين أمثالي ! كنت سأموت على الفور لو أنني شنقت نفسي أو

ارتميت من جٌرف؛ لكنني أمضيت شهراً كاملاً أحاول متعمداً أن أجرب كل درجات وأنواع آلام الموت .

رغم العبث المحيط بكل شيء، لا أستطيع التراجع الآن , لا حبل لأشنق نفسي، ولا أقوى على السير إلى

أي جرف.

أستطيع قضاء النهار بسكينة تامة طالما لا أشعر بالألم , ولكن إذا أضواني الليل، فإن كل شيء

يوجعني .. الظلمات توجعني .

صوت المذياع أصبح كطنين البعوض, بقيت لدي ثلاث شمعات,سأبقي عليها لليالي التي لن أستطيع فيها

النوم.

اليوم الرابع والثلاثون ..التاسع من سبتمبر

تحول البرد في الليلة المنصرمة إلى ألم , كأن إبراً تُغرس فيما تبقى من جسدي, أشعلت احدى الشمعات

وأمضيت الليلة بصحبتها. . نبضي يتسارع بشكل مرعب. .أشعر بخفقان قلبي وهو يضخ الدم في عروقي

محاولاً رفع حرارته, جسدٌ مسعوريعض على البقاء بشكل همجي !

قضيت نهاراً رذاذياً. اعتدل مزاجي بزقزقة الطيور وصرير الجنادب والصراصير. أشعر بوجود أحد !

ناديت: أنا هنا .. أردت الذهاب إلى نهر ستايكس ولكن قدماي تتمردان علي وتعصيان أمري .

مملٌ أن أفكر بالموت طوال اليوم، حتى وإن صمت أصلاً لأراقب مدارج موتي . لكن وبينما كنت أستمع

ببلادة وخمول إلى أصوات العصافير، فكرت بأنني قد مت منذ اليوم الأول لصيامي , هذه الفكرة أراحتني

قليلاً , نعم لقد قطعت شوطا طويلاً .



اليوم الخامس والثلاثون.. العاشر من سبتمبر

لفظ المذياع نفسه الأخير، فبدأ الليل يرعبني , اختفي في قعر الظلمات.

أتمطى، أرمش، أفك فمي، أُخرج لساني , أفعل أي شيء كي أشعر بوجودي لكني لست هنا ! لا شيء

هنا ولا أحد.. لا أفعال ولا فاعلون.. لا أسماء ولا صفات. لا أزمنة هنا , لا أين ولا كان ولا سوف. فقط

أفكارٌ تعبر رأسي بشكل دائري. أفكار لم تتشكل كما ينبغي , لا كيف لها ولا حدود. لكن عليها البقاء بأي

ثمن لتخفف ألم الشعور بعدم وجودي. لو استيقظت في الليل فلن أستطيع العودة للنوم حتى مطلع الفجر.

ولو توقفت عن التفكير سأفقد الإحساس بوجودي، ولبكيت ألماً.

بكائي باح ونكر. هذه الظلمات تسممني وتسمم كل شيء. عندما تبدأ الشمس بالشروق من جهة قدمي،

أستطيع نسيان الموت.

فرحة الشروق لا تدوم طويلاً فأنا هنا لأموت. لمَ لم أمت بعد؟ هذه الفكرة تؤلمني كما تؤلمني معدتي في

الليالي , النهار ألم الموت والليل ألم الحياة.

ما الجدوى من كل هذه الآلام؟ سيكون الموت أسهل بكثير لو أنني بقرت بطني، تناولت السم، ارتميت

من جرف أو من على احدى البنايات، تدليت من مشنقة، تسممت بالغاز. لو فعلت شيئاً كهذا لبدا الموت

كنزهة في حديقة. سيكون الموت أسهل بكثير لو كان كانتحار جاسوسٍ حقير من أولئك الذين يحملون

زجاجة سمٍ في جيوبهم للحظات الطارئة. لكن موتي لم يكن لحظة طارئة. لا ينبغي لي أن أموت

كالجواسيس.

تعددت أسباب الموت، وبقي الصيام أكثرها تفردا ومواجهةً. لكنه أكثرها عبثية وأقلها جدوى كذلك. يجب

الشعور بالفخر, تحملت ما لا يُحتمل لخمسة وثلاثين يوما وفعلت ما لا يستطيع أحد أن يحاكيني فيه.


اليوم السادس والثلاثون .. الحادي عشر من سبتمبر

بينما كنت أعبث بالمذياع متسلياً ، استمعت إلى شيء من الموسيقا سبق وأن استمعت إليها في زمن

غابر , ربما استعادت المدخرات شيئاً من طاقتها. تمكنت من الاستماع لمدة ساعة تقريباً. استعاد جسدي

حيويته، واستعدت الشجاعة للموت.
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل