مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 14-09-2007, 07:03 PM   #14
خوي السرور
عـضـو
 
صورة خوي السرور الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2005
البلد: بريدة ـ الاسكان 4 شرق مسجد كعب الإحبار <<< ييزي ؟
المشاركات: 8,848
اليوم السابع والثلاثون .. الثاني عشر من سبتمبر

تمطر بشكل متقطع .. للحياة عالَمان: عالمٌ بماء وعالم بلا ماء. يستطيع البشر خلق عوالم متشابكة في

أذهانهم , حتى ونحن أحياء نستطيع أن نستحضر عوالم الموت, أراها مزيّة مزعجة , كل ما أريده الآن

هو أن أموت، دون أن أفكر بأي شيء آخر. الآن أستطيع أن أفهم القتل الرحيم للذي يأتيه الموت من

كل مكان وما هو بميت، والذي يطالب به المصابون بالأمراض المفضية إلى الموت.


اليوم الثامن والثلاثون ..الثالث عشر من سبتمبر

لم تنفد طاقتي بعد , أتنفس بشكل متقطع. .الموت قريب جداً، أستطيع مصافحته لو مددت يدي,الآلام

المتبلدة في ركبتي وظهري تسير من سيئ إلى أسوأ. يبدو بأن الروح تحتاج إلى طاقة كبيرة لتغادر

الجسد , الروح تقتات على الجسد وتخزن طاقتها بعد حين ستتمكن من المغادرة. بدأنا العد التنازلي معا.


اليوم التاسع والثلاثون .. الرابع عشر من سبتمبر

أواجه صعوبة في تذكر رسم الحروف و خط يدي يتغير .

أتساءل إن كانت الحياة الأخرى ممتعة ؟


اليوم الأربعون.. الخامس عشر من سبتمبر

توقعت أن أموت اليوم , لا أقوى على تحمل المزيد, أفكر في الأمر: بالصيام تعلم بوذا كيف يعيش.. صام

موسى أربعين يوماً قبل أن يستلم الوصايا من الرب. وصام عيسى لأربعين يوما قبل أن يتمكن من

مقاومة وساوس الشيطان . . لقد وصلت إلى مراتب أولئك الصالحين من حيث عدد الأيام , هل أنا الآن

على نفس درجة نقائهم ؟

لا بد أنهم كانوا أشد مني قوة وعزماً , صاموا لأربعين يوماً وعادوا سيراً على الأقدام إلى قومهم. لم

أعد أقوى على السير لخطوة واحدة , كل ما أقدر عليه هو الانتظار إلى أن أتحول إلى جثة.

ما كانت لدي الرغبة في أن أكون قديسا أو شيئاً كهذا في يوم من الأيام , كل ما في الأمر أنني أتمنى لو

مرنت قدميّ بشكل أفضل . كنت أفاخر أترابي بالصحة التي تمتعت بها. لم أمرض يوما ولم أدخل

مستشفى في حياتي سوى مرة واحدة .. عندما كسرت ساقي وأنا ألعب البيسبول في الحارة .

كنت سأصمم حماماً مختلفاً لو تنبأت بأنني سأصبح رهين الفراش هكذا.. وضعت قمعاً تحت السرير

وأوصلته بأنبوب وأوصلته إلى الخندق الذي حفرته حول الكوخ .


اليوم الحادي والأربعون ..السادس عشر من سبتمبر

ليلة الأمس أشعلت شمعة وتذكرت باحترام الذين تحملوا ألم الصيام لأربعين ليلة. كانت روحي عاليةً

رغم الآلام .. شعرت بقرب أولئك الصالحين وأحببتهم .


اليوم الثاني والأربعون..السابع عشر من سبتمبر

قدماي تهالكتا تماما، أما ذهني فيعمل بشكل جيد. ربما لا يستهلك الذهن الكثير من الطاقة ,أحلام كثيرة

طوال النهار.


اليوم الثالث والأربعون.. الثامن عشر من سبتمبر
يوم رائع .. لم يكن نومي متقطعا .. لم أستيقظ ولو لمرة واحدة طوال الليل , ما زلت أشعر بالبرد والألم.

أعزي نفسي بأن هذه الأعراض هي أعراض جسد يتلاشى , جلدي كثمرة المشمش الجافة، وله رائحة

منفرة، أظنها رائحة الموت .. تنضّحت بشيء من ماء الكولونيا... عليّ أترك ورائي جثة عطرة .

مطرٌ ناعمٌ بعد الظهيرة.

مهمة التبول كل صباح وكل مساء أصبحت مهمة عسيرة .. ما زلت أتبول حتى وإن كنت لا أتناول سوى

جريعات من الماء. لا بأس طالما أصبحت هذه هي مهمتي الوحيدة .. كما أنني أصبحت كثيرا ما أدخل في

غيبوبة وتتم العملية دون أن أشعر بها. لا بد أن يتوقف قلبي في أية لحظة، وعلى إثره تحلق روحي.

اليوم الرابع والأربعون.. التاسع عشر من سبتمبر

لم أشعر بمثل هذه الآلام في أحشائي وهذا الصداع القاتل , فقدت وعيي مرتين، عند الظهيرة وعند

الثالثة مساءً , علي أن أحضّر كلماتي الأخيرة قبل الموت .

زالت هناك ثلاثة كتب لم أقرأها .


اليوم الخامس والأربعون ..العشرون من سبتمبر

امرأةٌ تقف قرب رأسي .. جاءت على حين غرة ومن حيث لا أحتسب .. بلوزة ممزقة، جوارب مليئة

بالثقوب وتنورة موحلة , لا أعرفها ولم أراها من قبل , لكني فقدت القدرة على الاندهاش بحضورها.

ظاناً بأنها من عالم الأموات أتت لاقتيادي، مددت يدي وناديت: خذيني حيث شئت , لم أعد أحتمل البرد

والألم .

قالت بلا مبالاة : لا مكان لدي أذهب إليه

- لكنك قادمة من العالم الآخر. أليس كذلك؟

- لا لم أصل هناك بعد.

- ما زلت حيةً إذا.

- لا أستطيع أن أجزم.

أدارت إليّ جانباً حزيناً: منذ زمن بعيد اغتصبني أحدهم وقتلني في الغابة. كان يرتدي قبعة رسامٍ، ويقف

كالفنانين. كنت أظن بأنه سيتم نقلي إلى العالم الآخر، ولكني انتظرت طويلا ولم يأت أحد ليصحبني إلى

هناك. فقررت السير وحدي. بطريقة ما استطعت أن أصل إلى نهر ستايكس، وأن أستقل قاربا ولكن....

- تقصدين بأنك لم تصلي مطلقاً للعالم الآخر؟

- كنت الراكب الوحيد. القبطان لا يصدقني. لا يؤمن باليوم الآخر.

- هراء.

- في البداية كنت أظن بأن القبطان يكذب علي .. توسلت إليه طويلاً أن يقلني إلى هناك , لكنه كان على

يقين .. كان يرفض مجرد فكرة التوسل إليه بالسير إلى هناك. لا يوجد هناك. سألت قبطاناً آخر كان يعبر

النهر، فأجاب نفس الإجابة.

- ماذا تفعلين الآن إذا ؟

- يأخذني القبطان إلى أماكن عديدة ورائعة .. أرخبيل الآمال الحسنة، آنتاركتيكا، البحر الميت، وبحيرة

باكل , يتعامل معي بشكل جيد. أصبحنا نعيش سوية.

-كيف أتيت إلى هنا؟

-عبر الأمازون.

-أين رفاقك؟

-هناك .. وأشارت إلى يخت صغير موحل يطفو فوق المستنقعات قبالة كوخي .

- وماذا يتوجب علي أن أفعل؟

غادرت الكوخ دون أن تجيب , وعندما ناديت ( انتظري ) كان الكوخ يمخر الليل , عندما ارتد إليّ سعيي

، وتفحصت المكان بناظري، لم يكن ما حسبته يختاً سوى أرنب , يا للفأل والنذير. قد تكون هذه هي

ليلتي الأخيرة .


اليوم السادس والأربعون .. الحادي والعشرون من سبتمبر

ما زلت حيا , ماذا سأفعل أن لم تكن هناك حياة أخرى؟ لا أريد أن أموت إذا كانت مواجع الليل والجسد

ستستمر إلى الأبد , ألن يكون الموت خلاصا؟ كلا. لا بد أنه الهذيان بسبب الإجهاد الذي أشعر به , وما

هذه إلا ضلالات تراودني لأني لم أكن من المؤمنين بالآخرة في يوم من الأيام.

فجأةً تذكرت كلمات ( الثمل المُنزَل من السماء ) أخذتني سنة من النوم، وحلمت بأنني هناك. حيث ,

النبيذ طيب والنساء جميلات .


اليوم السابع والأربعون .. الثاني والعشرون من سبتمبر

أرتجف بردا، خصوصا بعد أن أتبول .. وكأنني تنضحت بماء مثلج .. تهالكت ذراعاي وبدأت أفقد

الإحساس بهما .. أتقلب في الفراش وكأنني أحمل أذرعا آلية , و قلبي يخفق بشكل مسعور .



اليوم الثامن والأربعون .. الثالث والعشرون من سبتمبر

ليتني أصادف قبطانا جيدا على نهر ستايكس!.


اليوم التاسع والأربعون .. الرابع والعشرون من سبتمبر

روحي واهنة تماماً .. يبدو أنها لا تقوى على الرحيل .. أرحني من كل هذه الآلام .. أضلعي تتحطم ,

أشعر وكأنني جورب نتن ممزق ومفرغٌ من كل شيء.
__________________
في بريدة ستي .. كانت لنا أيام :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=262111

( قلب حب 1 )
خوي السرور غير متصل