15-09-2007, 08:41 PM
|
#56
|
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jul 2006
البلد: بعيدًا عن "خبيب"!
المشاركات: 751
|
[ 17 ]
خبيب !
لم تصبح " خبيب " أطلالا حتى نقف عندها ونبكي من ذكرى حبيبٍ ومنزل، أقصد من ذكرى الشوارع الضيّقة والرطبة، وجميع فئات دول جنوب آسيا وشرق أفريقيا، وذكرى المداهمات الأمنية من جميع فئات قوى الأمن.. شرطة.. مرور.. هيئة.. مباحث.. استخبارات... حتى الإطفاء لو طرأت على بال مديرهم أن يداهم "خبيب" لداهمها مباشرة؛ فقد صرنا (ملطشة للّي رايح واللي جاي)، لا يلزم أن تداهمنا إلا أن تطرق باب شقتنا وتطلب مني الإثبات، ثم تدخل لتفتش الشقة كما تريد.
خبيب.. خبيب.. خبيب..
لكل موسم ذكرى كما يقول ذلك أحد الأخوة، لكن –بحمد الله- ليس للذكرى بقية في "خبيب"؛ فقد غادرتها منذ سنة ونصف السنة إلى شارع المستودعات حيث حيّ الخليج الهادئ جدًّا، طبعًا.. ماعدا شارع المستودعات في وقت الصبح والعصر والمغرب، "خبيب" أرحم منه بكثير، لكني أسكن –بحمد الله- بالطرف الآخر من المبنى الذي أنا فيه؛ حيث أمامنا وبجانبنا مزارع هادئة مهجورة مظلمة ومخيفة.. خلونا على هادئة أحسن؛ فهذا الذي يهمني، وللمكان الذي أنا فيه الآن حديث سيأتي في نهاية الذكريات –بعون الله تعالى وإذنه-.
سكنت "خبيبًا" سنتين ونصف السنة، أما السنة الأولى فكنت أسكن في أطراف "خبيب" من جهة الشرق، بعيدًا عن الشوارع الضيقة، والأزقة الرطبة، وسبق أن تحدثت عن شقتي في السنة الأولى وما حولها في الحلقة العاشرة، وحديثي هنا عن "خبيب" وما مر علي من أحداث أثناء سكني في هذا الحي أو المدينة(!)، ومن أول الأحداث (وقد استمرت معي طوال سكني في "خبيب") وهي التشرّف(!) بمقابلة عدد من السكارى والمحششين، من كنت أسمع عنهم في النكت، وأراهم في المسلسلات لكنني لم أقابلهم أبدًا، فكان اللقاء في "خبيب"؛ وكان الموعد مع أولهم في المحطة المجاورة لشقتنا، حيث نزلت من الشقة لأشتري من مركز التسوق في المحطة (في الحقيقة هو عبارة عن بقالة صغيرة)، كان الوقت منتصف العصر، وأثناء شرائي للأغراض دخل رجل البقالة وأمسك يدي بلطف، ودار هذا الحوار:
- يامطوّع.
-هلا!
- جزاك الله خير.. أنا وأخوي مالقينا ثمن أجرة نبي نروح لحيّنا نبيك تساعدنا جزاك الله خير.
- وين حيّكم؟ خلني أنا أوصلكم.. معي سيارة!
- لا.. جزاك الله خير، ما ودي أزعجك، بس والله نبي ثمن اللي يوصلنا. (عطنا الفلوس يانشبة)
أعطيت الرجل ما أراد، ثم ولى إلى حال سبيله، والتفت إلى بائع البقالة، وسألته عن الحساب، فتكلم معي يلومني لأني أعطيت الرجل ما يعينه على سكره، فهو يعرفه جيدًا.. فهذا الرجل –وأمثاله- كثيرًا ما يتعرض للناس ومعه قائمة من الأعذار التي تجعل منه مسكينا، فيجمع أموالا تعينه على المنكر، فسألت صاحب البقالة سؤالا بريئًا : لماذا لم تخبرني بشأنه قبل أن أدفع له؛ فأجابني بابتسامة خجل تحكي خوفه من ذلك الصعلوك، والحمد لله الذي عافاني مما ابتلي به هذا الرجل وأمثاله، وفضلني على كثير من الخلق تفضيلا.
كنت في عام 1425هـ في إحدى مقاهي الانترنت بـ "خبيب"، قرابة الساعة العاشرة مساء، فانتهى إلى مسمعي صراخ عامل المقهى (هندي)، وصراخ رجل آخر؛ فقمت من مكاني واتجهت للخارج فوجدت عامل المقهى يتهدد ذلك الرجل، والتفت إلى الآخر فإذا شاب ضعيف البنية، أحمر العينين، مشدود الوجه، تكاد عروق جبينه تنفجر فيه، يتكلم بصعوبة، ولا يتحكم بخروج لعابه؛ فتيقنت أنه سكران، اقتربت منهما وطلبت من العامل أن يهدأ، لكنه لم يفعل؛ بل ازداد صراخه على ذلك الشاب، ويعتذر أمامي بأنه يعرف هذا الشاب جيدًا، ويعيّره بالسكر.. التفت إلى ذلك الشاب فإذا أصبع السبابة ليده اليسرى أمام عيني، وهو يرمي الكلام في وجهي قائلا: "والله علشانك يا مطوع ولا كان ضربته بـ..." فذهب يترنح وهو يردد هذه الكلمة..، والحمد لله الذي عافاني.
عندما تمر بك هذه المواقف تردد: مرحبًا بالمداهمات في "خبيب"، فهي تجتث أمثال هذه الأورام التي تنتشر في مثل مجتمع "خبيب" المتنوع من جنسيات مختلفة، وديانات مختلفة كذلك، إضافة إلى مجتمع العزاب، المجتمع الذي توفر له الفراغ، والخراب كل الخراب لمن اجتمع فيه الفراغ وانعدام مراقبة الله –عز وجل-، فكانت المداهمات الأمنية في "خبيب"، وقد كنت أتابع نتائجها عن طريق الصحف، فأرى أن بجوارنا "بلاوي متلتلة"، طهروا المنطقة من السحرة، ومن شقق كاملة جُعلت مصانع للخمر ولنسخ الأفلام الإباحية، إلى أقبح خبر سمعته وتم تصوير الفاعلين بمبنًى قريب لمبنانا الذي سكنا به في السنة الثانية داخل الحي، حيث تم الإمساك برجل في الستين من عمره (لحيته بيضاء تمامًا وطويلة لكنها ليست "لحية غانمة") وآخر في الخمسين من عمره بحالة غير أخلاقية(!!!) وهذه أيضًا (!)، بعض الأحداث تبين أن بعض العمالة (خصوصًا البنقالية) لا تأمنهم ولو أطالوا لحاهم –إلا من رحم الله تعالى-.
في إحدى الأيام كنت وصديقي (أبو تميم) نأكل وجبة الغداء فطرق الباب، صرخت مجيبًا (طيّب.. طيّب) ولو كنت أعرف من وراء الباب لقلت (أبشروا طال عمركم)، غسلت يدي، ثم اتجهت إلى الباب وفتحته..، فإذا المكان محاصر، رجل أمن يحملون الرشاشات، وخمسة أشخاص تقريبًا يمثلون جميع الفئات الأمنية التي ذكرتها في أول المقال بلباس مدني، بعد السلام.. طلبوا مني الإثبات، ثم انتشر البقية في الشقة يفتشون، كنت مطمئنا فلا شيء يجلب الريبة نهائيًّا، انتهى الجميع إلا شخصًا واحدًا أطال الجلوس عند مكتبتي يتصفح الكتب، وليتهم جعلوا شخصًا له اطلاع على الكتب ليفتش مكتبات خلق الله؛ بل رأيت شخصًا تجاوز كتب عبدالله عزام وسيد قطب ومحمد قطب ليقف عند كتب أدبية أو فقهية يتصفحها!!
هناك أمرٌ يجب أن أنبه عليه لمن سكن "خبيب"، وهو أسلوب جديد انتشر بين اللصوص؛ وهو أن يدخل اللص الشقة، فإن لم يجد أحدًا سرق ما امتدت إليه يده، وإن تفاجأ بوجود شخص انتبه إليه معتذرًا بأنه قد أخطأ بعنوان الشقة..، وأحيانًا يدخل اللص بجرأة وهو يصرخ بأسماء وهميّة (يا خالد.. يا محمد.. يا حسين) لكي يُعلّب العذر أمامك، ويجعلك تظن –حقا- أنه قد أخطأ بالشقة، وقد حدث هذا معي؛ إذ دخل أحدهم الشقة بهدوء فتواجهت وإياه وجهًا لوجه –قبل أن أعرف بهذه الحركة الجديدة للصوص- فاعتذر ضاحكا بأنه ظن أنها شقة زملاءه، فسألته (لكوني "نشبة") عن أصحاب الشقة التي يريدها من أين هم؛ لأني أعرف من يسكن معنا في المبنى فربما أساعده، فارتبك المسكين واعتذر بأنه قد أخطأ بالمبنى كله، رحبت به فغادر الشقة في أمان الله.
وبعض السرقات تحدث عمدًا، وليس بينك وبين أن تُسرق شقتك إلا أن تنسى إقفالها، وكنت أحذر أصحابي في الشقة من نسيان إقفال الشقة، والاتفاق دائمًا على أن آخر شخص يخرج من الشقة هو من يقفلها ولو أراد الخروج لدقائق، فإن نسي إقفالها وسرقت الشقة فعليه التعويض، في إحدى أيام الفصل الثاني من السنة الثانية؛ أيقظت أصدقائي في الشقة (وهم اثنان سيأتي الحديث عنهم ولكل من سكن معي خلال سنوات الجامعة) لصلاة العصر، وقبيل الإقامة تأخر أحدهما (سامي) فلم يستيقظ إلا متأخرًا فنبهته على أن يقفل الشقة، ثم خرجت للصلاة..، وبعد الصلاة بنصف ساعة خرجت من المسجد متجهًا للشقة، فلمَّا أقبلت عليها وجدت الباب مفتوحًا، فأحسست بغصّة في حلقي، وبانخفاض في الحجاب الباطن؛ فانطلقت مسرعًا ودخلتها فوجدت كل شيء في مكانه (حاسبي الآلي، التلفاز، "رسيفر" قنوات المجد، الفيديو، الثلاجة، مكتبتي) هذه هي الأمور التي يجب أن أقلق عليها، ولأجلها اتفقنا على ما ذكرته لكم قبل أسطر، فصمّمت على الانتقام من هذا الموقف، فخبأت التلفاز و"الرسيفر" والفيديو بين طاولتي ومكتبتي، وكمبيوتري جزأته بين المطبخ والغرفة الأخرى بحيث لا يُلاحَظ أبدًا، وقمت ببعض الانتفاض في الشقة فقلبت الأمور رأسًا على عقب ثمّ اختبأت لأنتظر (سامي) وصديقي الآخر (سلمان)..، انتظرت طويلا، وبحمد الله وصلا مع بعضهما، وما إن دخلا الشقة حتى سمعت صرخة سامي: هااااه...؟!!! ومسرعًا دخل إلى غرفتنا (والتي تحوي كل الأغراض لاتساعها). ثم التفت إلى الغرفة الأخرى (وقد كنت مختبئا خلف بابها المفتوح) فلم يرَ شيئًا، فقال سلمان: " الظاهر إن الشقة سرقت". فخرج سامي خارج الشقة مسرعًا، فيما لبث سلمان واقفًا من هول المفاجأة؛ فخرجت له (ولكم أن تتخيلوا نظرته) فقلت: "اجلس تقهو". ظل واقفا يتأملني ثم جلس وابتسم قائلا: "أنت سويت كذا؟!" فقلت:"نعم".. فتضاحكنا وتحدثنا قرابة العشر دقائق حتى دخل علينا (سامي) منهكًا؛ فالتفت إليّ فرآني مبتسمًا مطمئن البال، فعلم أنه مقلب من ناحيتي، فلم يكن له إلا أن يردد "الله يهديك.. الله يهديك.. الله ياخذ وجهك.."؛ فذكّرته بأنه قد أخل بالاتفاق، وأنه كان يجب عليّ أن أذيقه شيئًا من شعوره إذا سرقت الشقة، لينتبه دائمًا لإقفالها.. . أنا لا أعلم، ربما أخطأت في هذا الموقف لأنني أدخلت الرعب في قلب مسلم، لكنني أذكر الموقف كما هو، وأستغفر الله -تعالى- من خطئي.
لم أعان في "خبيب" كما عانيت من زحمة السيارات، وضيق الطرق في هذا الحي، خصوصًا في يوم الجمعة، وما أدراك ما يوم الجمعة في "خبيب". حين ترى نفسك غريبًا، وحين ترى "عربجة" العمالة، وحين تسمع من حولك أنوعًا من لغات آسيا؛ فاعلم أنك في "خبيب" يوم الجمعة، حيث تقوى عيون أولئك العمالة لكثرتهم، كنت أعايش ذلك كثيرًا، وذلك أنني غالبًا ما أجرب وأصحابي أن آكل في مطاعمهم من باب التجربة فقط، كن بينهم لترى كل العيون تخرقك، وكل الأبصار تتجه إليك.. (سعوديٌّ بيننا!)، أنواعٌ من الحشّ والنهش عليك، لا تقولوا كيف تعرف ذلك ولسانهم يختلف عن لسانك، ما تفسيركم لمجموعة من البنقالية يأكلونك بأعينهم وتسمع من حديثهم:"قرنق برنق طرنق ساؤودي(سعودي) قرنق برنق طرنق مطوّأ (مطوع) قرنق بنرنق طرنق"؟! وأعوذ بالها من سوء الظن.
ولعلي أعود لـ " خبيب " مرة أخرى في حلقات أخرى بإذن الله تعالى .
__________________
يا صبر أيوب !
|
|
|