أخي الكريم / برق1
سأركز في ردي عليك على معنى الإصرار :
أولاً : لم أجدك ذكرتَ أحداً من علماء السلف قال بمثل ما قلتَ في تعريفك للإصرار ونفيك الكامل لدخول تكرار فعل الصغيرة في معنى الإصرار !!
بل أنت تستشهد إما بكلام لا يدل على نفس مفهومك أو بكلام ينافي مفهومك لتأكيد مفهومك !!
كاستشهادك بكلام عمر بن عبد العزيز وعطاء ابن ميسرة الذي لا يدل على مفهومك .
وكذلك استشهادك بكلام ابن كثير الذي ينافي مفهومك , إذ هو يقول - حسبما نقلتَ - : " وقوله: { وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ } أي: تابوا من ذنوبهم، ورجعوا إلى الله عن قريب ، ولم يستمروا على المعصية ويصروا عليها غير مقْلِعِين عنها ، ولو تكرر منهم الذنب تابوا عنه ... "
تأمل قوله : " ولم يستمروا على المعصية " .. والاستمرار هنا يعني التكرار طبعاً .
فأرجو ألا تتعسف في الاستدلال أخي الفاضل .
ثانياً : حصر الإصرار بالفعل فقط , خطأ .. كما أن حصره بالعزم فقط , خطأ .
وقد قيل إن هناك نوعان من الإصرار , إصرار فعلي وإصرار حكمي .. فالفعلي هو الدوام على نوع واحد من الذنوب بلا توبة أو الإكثار من جنسها بلا توبة ، والحكمي هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها .
أما مثالك كما في قولهم : " حاولت أن أثني زيداً عن السفر فأصّر عليه " , فهو استخدام لغوي صحيح وإصرار زيد على السفر هنا إصرار قلبي لكنه لا يخلو من فعل مستقبلي لو تأملتَ .. أي أنه إصرار حكمي يتحقق بفعل ما أصر عليه .
الزبدة :
نعم العزم على فعل الشيء هو إصرار في اللغة , ولكننا هنا نتحدث عن المسألة من جانبها الشرعي وليس من جانبها اللغوي . أي يجب علينا أن نجمع بين المعاني اللغوية لمعنى الإصرار والأدلة الشرعية من القرآن والسنة .
وبما أن الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ المسلم على ما تحدثه به نفسه ولا يؤاخذه على السيئة إلا إذا عملها ( كما ثبت في السنة ) , فإننا لا يمكن أن نعتبر مجرد انشراح صدر المسلم للذنب إصراراً يجعل الصغيرة كبيرة .
ثم إني أتساءل :
1- لو انشرح صدر مسلم لصغيرة من الصغائر في يوم من الأيام ولكنه لم يفعلها أبداً .. فهل هو آثم بانشراح صدره أم لا ؟؟! ( الجواب : بنعم أو لا )
إن كنتَ تعتبره إثماً .. فهل انشراح الصدر هذا من الصغائر أم من الكبائر ؟؟!!
وهل الأعمال الصالحة تكفر هذا الذنب أم لا ؟؟!
2- لو افترضنا أن رجلاً فعل صغيرة من الصغائر للمرة الأولى , وانشرح صدره لها قبل وبعد أن انتهى منها ولكنه لم يفعلها مرة ثانية .. فهل تصبح هذه الصغيرة بحقه كبيرة ؟؟! ( الجواب : بنعم أو لا )
إن قلت : لا , فنحن متفقان ..
وإن قلت : نعم , وتلزمه التوبة والندم حتى تغتفر تلك الصغيرة .. فأقول التوبة من ماذا ؟؟!!
هل التوبة من الصغيرة .. أم من انشراح الصدر ؟؟!!
إن كنت تشترط التوبة من الصغيرة حتى تغتفر , فنقول لك : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر لنا ما يكفر الصغائر غير التوبة وهي الأعمال الصالحة .
وإن كنت تشترط التوبة من انشراح الصدر حتى يغتفر الذنب نفسه , فنقول لك : وهل المسلمون مؤاخذون على ما في قلوبهم فيما هو من عمل الجوارح ؟؟!!
ثم أليس فاعل الصغيرة لا يفعلها إلا وصدره منشرحاً لها ؟؟!!
نعم , انشراح الصدر لفعل الذنب مذموم مستقبح بحد ذاته حتى وإن لم يفعل الذنب , لأنه قد يؤدي إلى استسهال الذنوب والمعاصي ومن ثم الوقوع في الكبائر بل وأعظم من ذلك لا قدر الله , لكنه بحد ذاته ليس إصراراً بل ولا ذنباً يعاقب عليه المسلم ما دام لم يعمل الذنب , إلا إذا كان الذنب من أعمال القلوب أصلاً وليس من أعمال الجوارح .
والله أعلى وأعلم .
أكتفي بهذا , وأسأل الله أن أكون قد وُفقتُ فيما قلتُ .
وتقبل تحياتي 00
المتزن
__________________
في المجتمع المريض الاستشهاد بالرجال أولى من الاستشهاد بالأدلة والأفكار !!
|