أخي الكريم / تأبط رأياً
مازلتَ تخلط بين المسائل وتتخبط في الاحتجاج والاستدلال !!
فأنا طلبتُ منك أن تذكر لي قولاً لأحد من علماء السلف يقول فيه ( بالنص ) : " إن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة أو يجعلها كبيرة " , ولم تذكر لي شيئاً من ذلك .
بل أحضرتَ لنا من أقوال السلف أقوالاً عامة تذم الإصرار على الذنب بحد ذاته , ولم تتطرق هذه الأقوال إلى أن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة .
أما نقولك عن الكاساني والشاطبي والنووي , فهي نفس ما طلبتُ منك ولكن هؤلاء العلماء ليسوا من علماء السلف .
فهل غفلتَ عن أن هؤلاء ليسوا من علماء السلف .. أم تـُراك لم تتأمل كلامي جيداً .. أم ماذا ؟؟؟!!!
أرجو أن تتأمل في الألفاظ والعبارات لئلا تقع في الخلط والتخبط في الاحتجاج والاستدلال يا هداك الله .
ركز معي :
أنا أريد أن تذكر لي ( بالنص ) – لاحظ ( بالنص ) – قولاً لأحد علماء السلف – لاحظ علماء السلف – يقول فيه إن الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة .
وتراي منب أتحدى , ولكني والله لا أعلم أن أحداً من علماء السلف قال بهذه المقولة بنصها . فإن كان ثم , فأفدنا يا رعاك الله ولك الشكر .
أما بالنسبة لتساؤلاتك واحتجاجك عليّ ببعض النصوص كحديث القاتل والمقتول في النار وغيره , فأتعجب من خلطك بين مسألة العزم على فعل من أفعال القلوب ومسألة العزم على فعل من أفعال الجوارح .
لأن أفعال القلوب هي في الأساس قلبية اعتقادية , ومجرد العزم على فعل منها يؤاخذ عليه الإنسان . كالعزم على الكفر أو تكذيب الرسول عليه السلام أو إنكار البعث أو غير ذلك . فمن يعزم على الكفر – مثلاً – , يكفر بعزمه وتصميمه .. إذ الكفر والإيمان عمل قلبي أساساً .
أما العزم على فعل من أفعال الجوارح , فقد وقع فيها الخلاف .
فمن العلماء من يرى أن العزم على فعل السيئة دون الشروع فيها , لا يؤاخذ عليه العبد . وقد ذكر ابن حجر في فتح الباري أن هذا القول هو قول الشافعي . وهذا نص كلام ابن حجر : " وقد وجدتُ عن الشافعي ما يوافق ظاهر الخبر , وأن المؤاخذة إنما تقع لمن هم على الشيء فشرع فيه . لا من همّ به ولم يتصل به العمل " انظر شرح الحديث 6491 .. كتاب الرقاق باب من همّ بحسنة أو بسيئة .
قال المازري : ذهب ابن الباقلاني – يعني ومن تبعه – إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم , وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر . قال المازري : وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين .
وأنقل لك وللأخوين برق1 وأبي عمر القصيمي من كلام ابن حجر في نفس شرحه للحديث أعلاه ما قد يجلي لك ولهما المسألة .
" ... المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود , للفرق بين ما هو بالقصد وما هو بالوسيلة .
وقسم بعضهم ما يقع في النفس أقساماً ... أضعفها أن يخطر له ثم يذهب في الحال , وهذا من الوسوسة وهو معفو عنه وهو دون التردد , وفوقه أن يتردد فيه – أي الذنب – فيهمّ به ثم ينفر عنه فيتركه ثم يهمّ به ثم يترك كذلك ولا يستمر على قصده , وهذا هو التردد فيعفى عنه أيضاً , وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر عنه لكن لا يصمم على فعله وهذا هو الهم فيعفى عنه أيضاً , وفوقه أن يميل إليه ولا ينفر منه بل يصمم على فعله فهذا هو العزم وهو منتهى الهم , وهو على قسمين :
القسم الأول : أن يكون من أعمال القلوب صرفاً كالشك في الوحدانية أو النبوة أو البعث فهذا كفر ويعاقب عليه جزماً , ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر كمن يحب ما يبغض الله ويبغض ما يحبه الله ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك , فهذا يأثم ويلتحق به الكبر والعجب والبغي والمكر والحسد , وفي بعض هذا خلاف .
القسم الثاني : أن يكون من أعمال الجوارح كالزنا والسرقة فهو الذي وقع فيه النزاع .
فذهبت طائفة إلى عدم المؤاخذة بذلك أصلاً , ونقل عن نص الشافعي ... .
وذهب كثير من العلماء إلى المؤاخذة بالعزم المصمم , وسأل ابن المبارك سفيان الثوري : أيؤاخذ العبد بما يهم به ؟ قال : إذا جزم بذلك .
... ثم افترق هؤلاء فقالت طائفة : يعاقب عليه صاحبه في الدنيا خاصة , بنحو الهم والغم . وقالت طائفة : بل يعاقب عليه يوم القيامة لكن بالعتاب لا بالعذاب , وهذا قول ابن جريج والربيع بن أنس وطائفة ونسب ذلك إلى ابن عباس أيضاً . "
انتهى نص كلام ابن حجر في فتح الباري كتاب الرقاق باب من همّ بحسنة أو بسيئة .
أكتفي بهذا , وأسأل الله أن أكون قد وُفقتُ فيما قلتُ .
كما أسأله سبحانه أن يهديكم ويصلحكم ويغفر لكم ذهولكم وجرأتكم على اتهامي واستسهالكم التبديع وكأنه شربة ماء زلال !!!
وتقبل تحياتي 00
المتزن
__________________
في المجتمع المريض الاستشهاد بالرجال أولى من الاستشهاد بالأدلة والأفكار !!
|