الموضوع: ( - ) و ( + )
مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 16-10-2007, 10:04 AM   #66
كرمع
كاتب متميّز
 
صورة كرمع الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jan 2004
البلد: بريدة
المشاركات: 541


على الرصيف الملاصق لباب الجامع كانت هناك امرأتان متلفعتان بعباءاتهما السوداء تفترشان الأرض

بين يدي احديهما ورقة مغلفة تلمع تحت ضوء الشمس وهي تهزها للمارة بصمت وفي حجر الأخرى طفل صغير متشعث الرأس تحاول أن تظهر معه بصورة تراجيدية عميقة الدلالة

لدى كل منهما كيس تجمع فيه النقود

يتوسط هذا الجامع حيا برجوازيا باذخا بمعنى أن اختيار باب هذا الجامع للتسول ينم عن دراسة استراتيجية دقيقة لدى المتسولين المحتكرين لهذا الباب

أبوتركي وكيل لأحد الوزارت المهمة خفيف الروح طيب القلب متناسق الجسم أبيض البشرة دقيق قسمات الوجه خفيف شعر العارضين مع وخط من شعرات بيضاء جميلة
يداوم على لبس غترة بيضاء وجوربين أسودين

عندما قضيت الصلاة وانتشر الناس في الأرض كان أبوتركي يعقد يده على عملتين من فئة الخمس ريالات وجاء محاذيا للمتسولتين من بين الزحام الذي يتهادى
وضع الخمسة الأولى في كيس المتسولة ذات الطفل الصغير وحينما حاذى المتسولة ذات الورقة المغلفة وألقى بالخمسة وإذا هي من فئة المئتين !

دورة سريعة من التفكير عصفت برأسه ذكرته بأنه قد خلط نقوده عندما اشترى سواكا قبل الصلاة ..
وفي حركة عاجلة منه .. مد يده إلى جيبه وأخرج منه الخمسة ومد يده الأخرى إلى الكيس ليلتقط المئتين ويبدلهما

ولكن المتسولة افتعلت حركات تمثيلية خاطفة مثل زنجي أسود في أحد الأفلام الأمريكية حيث كانت يدها أسرع وهي تقبض على زنده داخل الكيس وتصرخ أمام الناس بلسان أنثوي حاد وسليط :
- تريد أن تسرق نقودي ياحرامي !! ..
هذه أموال المحسنين لي وأنت تأخذها مني .. ياحرامي ..

التفت الناس إليهما في الزحام .. وتدخل أحدهم لتهدئة الوضع .. وهمهم آخرون .. وأسرع أبو تركي بعيدا عن الموقف ..

وفي الغد كتب في أحدالصحف المحلية بالخط العريض ( وكيل وزارة يحاول سرقة متسولة في أحد الجوامع )

وكان تفصيل الخبر في الصفحة الأخيرة :

جريدة النقاء - صادق سليم :

تعرضت متسولة فقيرة تكفكف عبراتها بمناديل المحسنين وتستر حاجتها بكرم المنفقين إلى محاولة السطو من أحد الوجهاء في البلد بمنصب وكيل لأحد أهم وزارات الدولة
وذكر شهود عيان بأن هذا الوجيه ضعفت نفسه حينما رمق ورقة نقدية رفيعة داخل الكيس فمد يده إليها ليبدلها بورقة نقدية أقل منها بمراحل !
ولكن فطنة هذه المرأة أنقذتها في تلك اللحظة مما جعلها وبعض المارة يقطعون عليه مآربه الشاذة !
يجدر التذكير إلى أن هذه الحادثة الغريبة قد تزامنت مع موجة من الغلاء الفاحش في أسعار السلع الغذائية تضايقت منه فئات كثيرة في المجتمع بمختلف شرائحه مما جعل علامة الاستفهام تبدو صغيرة أمام مثل هذه الحادثة النادرة !

كرمع غير متصل