فأرسل لي:
أخي الفهِمَ / ملكَ الصقور - متّعه الله متاعًا حسنًا -
سرّني ما أوردتَ من قولٍ كريمٍ .
ذكرتَ أني معنيٌّ بعلومِ الآلةِ . ونعم ؛ أنا بها مولَع ؛ إذ قلَّ أن تجدَ في أهلِ هذا الزمانِ - لو فتشتَ - من يحكِمُ علومَ العربيةِ كافةً ، ويجدَّد فيها كلِّها ، ولا يغفُلُ مع ذلك عن الأدبِ والشعر اللذينِ هما حياةُ النفوسِ وجمامهًا ، وبهما تزكو ، كما أن العلومَ الأخرَ حياةُ العقولِ ونماؤها . وأنت واجدٌ لو نظرتَ من التخبّطِ ، والاضطرابِ والاختلافِ ما يستبينُ لك بهِ فضلُ علومِ العربيةِ ؛ إذ هي الحكَمُ العدْلُ الذي إليهِ يُردّ ما اختُلِفَ فيهِ من الرأيِ ، ولا يكونَ فيها حاذقًا إلا مَن راضَ نفسَه بالعلمِ ، وعوّدها التأمُّلَ ، ولم ينسَق معَ جمهورِ المقلّدة الذينَ ابتليت بهم الأمةُ ، والذين لا يكونُون في أمةٍ من الأممِ إلا كانوا هم سبيلَ ارتكاسِها ، وموتِ عقولِ أبنائها .
وأيًّا ما يكنْ فأنا أعنى بالعلومِ العقليةِ عامَّةٍ ؛ إذ بها يفضُلَ الإنسانَ سائرَ الحيوانِ ؛ فلولا العقلُ لكانَ الإنسانُ من جملةِ البهائمِ .
أما المدارسُ النقدية الحديثةُ فمدعاةٌ إلى الضحكِ والحزَن في آنٍ ؛ فإنا لم نؤتَ إلا مِن قبلِها ، وإلا لمَّا شغلَ الغربُ عقولَ أبنائنا بها ، وهي بضاعتنا رُدَّت إلينا ؛ فأيُّ شيءٍ جديدٍ في علم الأصواتِ ، وعلمِ الدلالةِ . وكذلك مدارسُ النقدِ هذه ؛ إن هيَ إلا نتاجِ هذيانِ الغربِ ، وما قاءت بهِ عقولُهم . ومما يحزُن أن أبناءنا خُدِعوا بها واغترّوا ؛ يظنّونَ أن هذا هو التجديدُ ، وأنَّ ما أتانا عنهم هو العلمُ ؛ لا علمَ إلا هوَ ؛ فوا أسفا ! أفكلّما وسوسَ الشيطانِ في قلبٍ رجلٍ غربيٍّ ، فرأى أن يجعلَها ( نظريةً ) هُرِعنا نترجِمُها ، وندرّسها في مدارسِنا ؟ لو كانَ هذا حقًّا فلِمَ لا نجِد النظرياتِ الحديثةَ هذه إلا من الغربِ ؛ أفما لنا عقولٌ ، ولا رأيٌ ، ولا نَظرٌ . معذرةً ؛ فإني أستلُّ هذا من قلبٍ دامٍ ، وكبدٍ حرّى ؛ فلعلّك قابلٌ معذِرتي . ولكني على ذلك كلِّه كتبتُ في أوراقٍ عندي ما انتهيتُ إليهِ في النقدِ الأدبيّ ، جمعتُ فيهِ ما صلَح من القديمِ والحديثِ ، حتى يكونَ لي مرجعًا ومتكأً .
وذكرتَ أن شعرَ المولدين أحسنُ من شعرِ القدامى . وأنا معكَ في هذا ؛ ولكن في المعاني ؛ غيرَ شكّ . أما الجزالةُ وحسنُ الرصفِ غير المتكلَّفِ ، ولا المصنوعِ ، فمردها إلى القدامى . ومتى جمعَ المرء بينَ هؤلاء وهؤلاء سلكَ أهدى الطرقِ ، ونالَ الحسنى . وأنا يا أخي لا أعدّ نفسي شاعرًا ؛ ولكني أكتبُ الشعرَ غيرَ مكثرٍ ؛ فقد صرفني عنه حبي للعلمِ المقعَّدِ ، ورأيتُه أنفعَ للأمةِ ، وأبقَى ذكرًا .
وعندي كلامٌ طويلٌ في الشعرِ الحداثيّ ، والمذاهبِ النقديةِ ، وفي رأيي في نظامِ الشعرِ ، وعلى أيّ شيء يكونُ ؛ ولكني إن أخذتُ فيهِ أخذَ مني ؛ أي إن شرعتُ فيهِ أخذ مني وقتًا غيرَ قصيرٍ .
وأنا لك شاكرٌ فضلَك ، ومقدّرٌ لك رأيَك .
أبوس
__________________
إلى صدام: يحويك ذكر من الآفاق قاطبة...واليوم يحويك قبر ماله سمر قد كنت تأكل أنسا ماتفارقه...واليوم تأكل منك الدود والحفر صدام ياضجة الأرجاء يارجلا...هز البرايا بسفك بات يستعر من يفعل الشر لايعدم جوازيه...تلك البذور وهذا الجني والثمر شعر: العائد الأول
|