مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 08-11-2007, 01:18 PM   #10
تركي الناصر
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2004
المشاركات: 105
حاضرة قيّمة للشيخ عبدالكريم الخضير عنوانها (ولا تختلفوا فتفشلوا)
المصدر: موقع الشيخ عبدالكريم الخضير... لقراءة الأصل اضغط هــــــنـــــا
.
.
.
بسم الله الرحمن الرحيم

ولا تختلفوا فتفشلوا

الشيخ/ عبد الكريم الخضير



الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

في هذه الساعة من هذه الليلة المباركة، نجتمع في بيت من بيوت الله، نتذاكر جملاً من مسائل العلم المتعلقة بالخلاف بين أهل العلم، والنـزاع المبني على الدليل، وهذا هو المضنون بأهل العلم.

وعنوان المحاضرة اطلعت عليه أخيراً بعد الإعلان، ولعل هذا سربه الاختلاف في فهم بعض الأمور بين الإخوان المرتبين لهذه المحاضرات وبين المكتب، أما أنا ما مر علي هذا العنوان بهذه الصيغة (ولا تختلفوا فتفشلوا) لأنه كأنه منـزوع من نص، والنص {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ} [(46) سورة الأنفال] والنصوص في هذا الباب كثيرة جداً، منها ما جاء بالنـزاع ومنها ما جاء في الاختلاف، وكلها جاءت من النصوص الملزمة من كتاب الله، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، لكن اللفظ المعلن عنه لا يوجد ما يؤيده من الكتاب ولا من السنة بلفظه، وإن كان المعنى موجود، الله -جل وعلا- قد حث على الاجتماع، حث على الاجتماع، {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [(103) سورة آل عمران] فنهى عن الفرقة والاختلاف, وحث على الاجتماع والائتلاف، وجاء من نصوص الكتاب والسنة ما ذكرت بعضه، من قوله -جل وعلا-: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ}[(152) سورة آل عمران] وعصيتم من بعد ما أراكم من تحبون، فالنـزاع يؤدي إلى الخصام، والخصام لا شك أنه مؤد إلى الضعف، {وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ}[(43) سورة الأنفال] {إِذْ هَمَّت طَّآئِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللّهُ وَلِيُّهُمَا}[(122) سورة آل عمران] {وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ}[(46) سورة الأنفال] والتنازع والمنازعة المجاذبة، ويعبر بهما عن المخاصمة، والمجابذة، يقول الله -جل وعلا-: {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ}[(59) سورة النساء] هنا يكون الاحتكام إلى الله ورسوله عند وجود الخلاف، فردوه إلى الله والرسول، ومن الرد إلى الله والرسول الرد إلى القواعد العامة المستنبطة مما جاء عن الله وعن رسوله، وإلى الأصول المأخوذة من الكتاب والسنة، يقول -جل وعلا-، وقال تعالى: {فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى}[(62) سورة طـه] والفشل ضعف مع جبن، إذا كان عند التنازع والمنازعة والنـزاع المجاذبة والمشادة والمخاصمة والمجادلة، فالفشل المرتب على هذا النـزاع هو ضعف مع جبن، وتفشل الماء إذا سال، وفي تهذيب اللغة قال الليث: رجل فشل، وقد فشل يفشل عند الحرب، والشدة إذا ضعف وذهبت قواه، ويقال: إنه لخشل فشل، وإنه لخشل فشل، يقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}[(46) سورة الأنفال] يقول الزجاج: أي تجبنوا عن عدوكم إذا اختلفتم، ولا شك أن الاختلاف والتنازع في الآراء سبب للفرقة والفشل مما يجعل المختلفين لقمة سائغة لأعدائهم، وهنا شواهد الأحوال على هذا قائمة، لما كانت الأمة متحدة تحت راية واحدة، ومندرجة تحت قول واحد عمدته الكتاب والسنة، ولا يعني أنه لا يوجد خلاف في الآراء يوجد خلاف، لكن خلاف لا يؤدي إلى الفرقة، الإشكال في الخلاف المؤدي إلى التنازع والمخاصمة والفرقة، الاجتماع في الرأي والكلمة، ألفة ينشأ عنها اتحاد وقوة، والاختلاف في الظاهر يؤدي إلى الاختلاف في الباطن، وهذا لا شك فيه، كما أن الاتفاق في الظاهر يؤدي إلى الاتفاق في الباطن، ولهذا حرم النبي عليه الصلاة والسلام التشبه بالكفار، لأن موافقتهم في الظاهر تؤدي إلى موافقتهم في الباطن، والعكس بالعكس، خلاف معهم في الظاهر يؤدي إلى منابذتهم في الباطن، وقل مثل هذا في الخلاف والوفاق مع المخالفين من المسلمين، بالنسبة للاختلاف، وهذا في النصوص التي تقدمت في النـزاع، وهذا في الاختلاف، {فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا}[(213) سورة البقرة] فالخلاف الذي سببه البغي والعدوان هذا يؤدي إلى النتيجة التي جاء ذمها في القرآن والسنة، {وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ}[(19) سورة آل عمران] {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ}[(37) سورة مريم] {فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ}[(65) سورة الزخرف] {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ}[(10) سورة الشورى] {وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[(176) سورة البقرة] {وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ}[(213) سورة البقرة] قال -جل وعلا-: {فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ}[(213) سورة البقرة] فالذين آمنوا يوجد معهم الاختلاف، لكن هداية وتوفيق، وغيرهم يوجد بينهم خلاف لكن مع خصام ونزاع وجدال يفضي إلى الخذلان –نسأل الله العافية-.

{وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ}[(105) سورة آل عمران]، {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ}[(14) سورة الشورى] {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُواْ}[(19) سورة يونس] {فَمَا اخْتَلَفُواْ حَتَّى جَاءهُمُ الْعِلْمُ}[(93) سورة يونس] {وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}[(64) سورة النحل] {قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}[(63) سورة الزخرف] {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[(76) سورة النمل] {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[(3) سورة الزمر] {أَنتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}[(46) سورة الزمر] {وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ}[(63) سورة الزخرف] لأنه لو بين جميع ما يختلف فيه لارتفع الاجتهاد، الذي هو من نعم الله -جل وعلا- على هذه الأمة، الاجتهاد الذي رتبت عليه الأجور، لمن تأهل له ونظر في النصوص بتجرد، من غير هوى، ومع ذلكم فإن أصاب الحق فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، لا يقال: كيف هذه النصوص مع وجود الخلاف الكثير، بين الصحابة فمن بعدهم، يوجد خلاف بين الصحابة في مسائل كثيرة من العلم، يوجد خلاف بين أبي بكر وعمر، يوجد خلاف بينهما وغيرهما، وهذا كله مبناه ومرده إلى أمور تذكر فيما بعد إن شاء الله تعالى.

الاختلاف والمخالفة:

الاختلاف والمخالفة: أن يأخذ كل واحد طريقاً غير طريق الآخر، في حاله أو قوله، يعني هذا إذا ذهب من جهة اليمين، وذاك من جهة الشمال، ببدنه اختلفا، لكن لو صارا في طريق واحد حصل الاتفاق بينهما، وقل مثل هذا في الأقوال، إذا قال هذا يجب وقال هذا يحرم، اختلف، والخلاف أعم من الضد، لأن كل ضدين مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، الخلاف أعم من الضد، لأن كل ضدين مختلفان، لأنه لا يمكن أن يجتمع الضدان، فهما مختلفان، وليس كل مختلفين ضدين، ولما كان الاختلاف بين الناس في القول قد يقتضي ويفضي إلى التنازع استعير ذلك للمنازعة والمجادلة، قال الله تعالى:{فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ}[(37) سورة مريم] وقال أيضاً: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}[(118) سورة هود] فهذه الاختلاف بين الناس في الأقوال لا شك أنه قد يفضي إلى التنازع والمجادلة والمخاصمة والفرقة لا سيما إذا كان منشأ الاختلاف عن هوى، لا بحثاً عن الحق، أما من يبحث عن الحق فلن يحصل منه شيء من هذا، الذي يبحث عن الحق لا شك أنه يوفق ويسدد سواء أصاب الحق أو لم يصبه.

جاء في الحديث: ((اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك)) ففيه طلب الهداية إلى الصواب والحق في الأمور المختلف فيها جاء أيضاً أن الاختلاف سبب لرفع ما ينفع، سبب لرفع ما ينفع، فتلاحى رجلان فرفعت، اختصم رجلان واختلفا، فرفعت يعني ليلة القدر، رفع العلم بها، خرج النبي عليه الصلاة والسلام لخبرهم فيها، لكنه تلاحى رجلان، وهذا من شؤم الخلاف، وإن كانت العاقبة حميدة لهذه الأمة بأن يكثر الاجتهاد، ويطول زمن التعبد والاتصال بالله -جل وعلا- فتعظم الأجور، فالخيرة فيما يختاره الله سبحانه وتعالى، إن من كان قبلكم اختلفوا فأهلكهم الله بسبب خلافهم، وجاء في يوم الجمعة: هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه –يعني وهدانا الله -جل وعلا- لاختياره –الذي فرض على الأمم يوم الجمعة، فاختلفوا فاختار اليهود يوم السبت، واختار النصارى يوم الأحد، وهدى الله هذه الأمة إلى ما يريده الله -جل وعلا- ويرجوه، أفضل الأيام، وجاء في الحديث الصحيح: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة)) يعني بالنسبة للزمان في الدنيا نحن الآخرون، آخر الأمم، لكن يوم القيامة نحن السابقون، والسبب في ضلالهم عما افترض عليهم واختلافهم، وفي الحديث الصحيح رواه أحمد وغيره: ((حتى أكتب لأبي بكر كتاباً لا يختلف عليه)) وفي الحديث أيضاً المخرج في صحيح مسلم: ((استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم)) وهذا فيه دليل على أن الاختلاف في الظاهر، يجر إلى الاختلاف في الباطن، ومنه أيضاً: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فلا تختلفوا عليه، إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم)) في البخاري عن علي -رضي الله تعالى عنه- قال: "أقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف، حتى يكون الناس جماعة" يعني اختلف رأيه بالنسبة لأمهات الأولاد، مع رأي أبي بكر وعمر، نعم، لكنه مع ذلك قال: "اقضوا بما كنتم تقضون به" لأن المسألة اجتهادية، اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الاختلاف، حتى يكون الناس جماعة، أو أموت كما مات أصحابي، قال ابن حجر: "فإني أكره الاختلاف" أي الذي يؤدي إلى النـزاع، قال ابن كين: "يعني مخالفة أبي بكر وعمر" وقال غيره: المخالفة التي تؤدي إلى النـزاع والفتنة، ويؤديه قوله بعد ذلك، حتى يكون الناس جماعة، حتى يكون الناس جماعة، جاء في الخبر: ((اختلاف أمتي رحمة)) وهذا الخبر لا أصل له، ولا يوقف له على إسناد، ذكره نصر المقدسي والبيهقي بغير سند، وأورده الحليمي أيضاً، لكنه خبر لا أصل له، وهو معارض بقول الله -جل وعلا-: {وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ}[(119) سورة هود] فدل على أن الاختلاف ليس برحمة، نعم ما يؤدي إليه بعض الاختلاف المبني على الاجتهاد الذي ليس فيه معارضة ولا مصادمة لنص ثابت صريح صحيح، مثل هذا قد يكون فيه سعة، ورحمة لبعض الناس، لا سيما بالنسبة لمن فرضه التقليد، تقليد أهل العلم، إذا كان مقلداً لإمام بعينه، تبرأ الذمة بتقليده، وقوله أخف من قول غيره، لكن لا يعني هذا أن للإنسان الذي فرضه التقليد، سواء كان عامياً أو طالب علم مبتدئ في حكم العامي، أنه يتنقل في المذاهب بحثاً عن الأسهل وهذا ما يعرف عند أهل العلم بتتبع الرخص، مثل هذا لا شك أنه يخرج من الدين وهو لا يشعر، لأنه ما من مسألة إلا وفيها أقوال، فإذا كان ينتقى من هذه المسائل أسهل الأقوال، هذه المسألة فيها ثلاثة أقوال لأهل العلم، قال أحمد: حرام، وقال أبو حنيفة: مكروه، وقال مالك: جائز، يأخذ رأي مالك في هذه المسألة، جاءت مسألة بالعكس، قال مالك: حرام، قال أبو حنيفة: مكروه، قال أحمد: جائز، يأخذ برأي أحمد في هذه المسألة، هل هذا هو المراد؟ مثل هذا يخرج من الدين بالكلية، يتنصل عن جميع الشرائع، ولا يبقى عنده إلا ما علم من الدين بالضرورة، مما اتفق عليه وأجمع عليه العلماء، ولهذا يقولون: من تتبع الرخص تزندق، يعني يخرج من الدين وهو لا يشعر، مثل هذا لا يسوغ له أن ينتقل وينتقى من المذاهب، بل إذا قلد إماماً رأى أن ذمته تبرأ بتقليده امتثالاً لقول الله -جل وعلا-:{فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[(7) سورة الأنبياء] يلزمه قوله في كل مسألة، اللهم لو حجة، بدليل صحيح صريح في المسألة، فانتقل من تقليد هذا الإمام إلى اعتماد هذا الدليل، فيبرأ من هذه، بل هناك كتاب اسمه: (رحمة الأمة في اختلاف الأئمة) رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، وهو مبنى على هذا الحديث الذي لا أصل له، وهو لمحمد بن عبد الله الدمشقي الشافعي، اسمه رحمة الأمة في اختلاف الأئمة، وعرفنا أن الحديث لا أصل له، ابن مسعود -رضي الله عنه- فيما رواه أبو داود في كتاب المناسك، عبد الله بن مسعود صلى أربعاً في الحج، وهو يرى القصر، وقد عاب على عثمان -رضي الله عنه- أنه صلى أربعاً لو قصر أفضل، صلى ابن مسعود أربعاً فقيل له: عبت على عثمان ثم صليت أربعاً، قال: الخلاف شر، الخلاف شر، الخبر، وإن كان في إسناده جهالة، لكنه صار عمدة ومطية لكثير ممن أراد أن يوافق حسب هواه بعض المخالفين، فإذا وجد في بلد يعتمدون على إمام بعينه ثم حضر عندهم أو وجد بينهم، تجده يوافقهم ويقول الخلاف شر، يترك بعض الواجبات ويقول: الخلاف شر، وأحياناً يرتكب بعض المحرمات ويقول: الخلاف شر، لكن هل هذا الكلام على إطلاقه؟ إن صح عن ابن مسعود، الخلاف في جملته شر، والوفاق والاتفاق خير، لكن يبقى أنه هل كل خلاف شر، يعني هل معنى هذا أننا إذا قدمنا إلى بلد وأهله على مذهب معين يعملون عملاً هو في نظرك واجتهادك محرم، تقول: الخلاف شر، وتعمله، وتوافقهم على ما يعملون، ذهبت إلى بلد أهله حنفية، يشربون النبيذ، تشرب النبيذ وتقول: الخلاف شر، أو أهله مالكية، يأكلون من اللحوم ما ترى تحريمه تأكل معهم وتقول: الخلاف شر، وأنت عندك الدليل الواضح الصريح على منعه وتحريمه، أو تترك بعض الواجبات بناء على أن الخلاف شر، لا شك أن الجملة في أصلها في جملتها، لها أصل لكن يبقى أنها تحتاج إلى تقييد، تحتاج إلى تقييد، هناك قواعد يطلقها أهل العلم تحتاج إلى تقييد، هنا الخلاف شر، يعني ترى المحرم وترتكب المحرم وتقول: الخلاف شر، نعم إذا كانت المسألة خلاف بين فاضل ومفضول، أنت عندك سنة وهم عندهم مباح مثلاً، ويفعلونه تقول: الخلاف شر أو العكس، هم يفعلون أمراً يرونه مباحاً وأنت تراه مكروه، لا مانع الخلاف شر، لكن يبقى أنه لا احتياط فيما تعارض فيه الأقوال معارضة بينة، أنت تراه واجب وهم يرونه محرم تتفق معهم وتقول: الخلاف شر، هذه لا بد من تقييدها، أهل العلم يطلقون أيضاً العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ونقلوا الاتفاق على ذلك، على أنه أحياناًَ يحتاج إلى اللجوء إلى السبب والتخصيص به لأن عموم اللفظ معارض بما هو أقوى منه، فيحتاج إلى تقييد مثل هذه القواعد التي يطلقها أهل العلم، فإذا كان الخلاف بين فاضل ومفضول، وأردت أن توافقهم ارتكاباً للمفضول، أو كانت المسألة مسألة اجتهادية ليس فيها نص صريح صحيح نعم، مسألة اجتهادية، فلك أن ترتكب القول المرجوح، لا سيما إذا كان يترتب عليه مصلحة راجحة، أما إذا كان عمدة المسألة، إذا كان عمدة المسألة دليلاً مرفوعاً صحيحاً صريحاً، فلا مندوحة لك من العمل به مهما ترتب عليه، ولا اختلاف مصدر اختلف، وهو نقيض الاتفاق، يقول ابن منظور: اختلف الأمران لم يتفقا، وكل ما لم يتساوى فقد اختلف، والخلاف المضادة، وخالفه إلى الشيء عصاه إليه أو قصده بعد أن نهاه عنه، الحديث يقول: فأخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة، يعني أقصدهم، هؤلاء الذين تخلفوا عن الصلاة، يخالف إليهم النبي عليه الصلاة والسلام بمعنى أنه يقصدهم في منازلهم، والخلف والخلاف والاختلاف عند الفقهاء بمعنى، عند الفقهاء بمعنى واحد، وقد يطلق على الخلاف النـزاع، وهذا كثير على ألسنة أهل العلم، يسمونه نزاع، مع أنه جاء ذم النـزاع والمنازعة والتنازع، فكثيراً ما يقولون: تحرير محل النـزاع، يعني محل الخلاف، يعني إذا قيل لك هل البسملة آية من القرآن، أو ليست بآية؟ تقول: أولاً: نحرر محل النـزاع، وذلك بإخراج المسائل المتفق عليها، ثم يبقى المسائل المختلف فيها، تحرير محل النـزاع تقول: اجمعوا على أن البسملة بعض آية من سورة النمل، وأنها ليست بآية في أول براءة، ثم اختلفوا فيما عدا ذلك، هنا حررت محل النـزاع، وهو خلاف، يسمونه نزاع، ودرجوا على هذا، يطلق بعض الفقهاء على مخالفي مذهبه الخصوم، الخصوم دليلنا ودليل الخصوم، هذا موجود في كتب أهل العلم، أو ما هو موجود؟ نصب الراية ما هو مبني على هذا، دليل الخصوم، يعني المخالفين، هل نفهم من هذا أن هؤلاء العلماء الذين أطلقوا على الخلاف نزاع، وأطلقوا على المخالف خصم، أنهم يحملون في قلوبهم شيئاً على هؤلاء المخالفين، أو أن هذه ألفاظ اصطلاحية درجوا عليها، ولا يعني أن في قلوبهم شيئاً عليهم، يعني أصل الكلمة قد يكون قوي جداً، لكنها مع كثرة الاستعمال ولو في الألسنة لها قد يخص مدلولها العرفي، نعم، ولا معنى صاحب نصب الراية فقيه محدث، نعم هو فقيه حنفي، ينتصر لمذهبه، لكن يبقى أنه من أهل العلم، هل معنى هذا أنه يحمل في قلبه حقداً على خصومه فيما يقتضيه لفظ الخصومة والمخاصمة، هل نقول: أن هذا موجود، أو أنا نقول أن العلماء تداولوا هذه الألفاظ، وكثرت على ألسنتهم، وصاروا يلفظون بها، ويكتبونها في مصنفاتهم من غير قصد لمعناها الأصلي.

بعض العلماء يفرق بين الاختلاف والخلاف، كيف؟

قد عرفنا أن الخلف والخلاف والاختلاف بمعنى، يقول الناظم:

جرى الخلف أما بعد من كان بادئاً (يعني الاختلاف).

ويقول الحافظ العراقي: والخلف في مبتدع ما كفرا (والمراد به الخلاف).

ويطلق هنا الخلف والمراد به الخلاف والاختلاف.

بعضهم يفرق بين اللفظين الخلاف والاختلاف، يقولون الأول: الذي هو الاختلاف، يستعمل في قول بني على دليل، يسمونه اختلاف، والثاني: فيما لا دليل عليه، يسمونه خلاف، وأيد ذلك التهنوي في كشاف اصطلاحات الفنون، أن القول المرجوح في مقابلة الراجح يقال له: خلاف لا اختلاف، قال: والحاصل منه ثبوت الضعف في جانب المخالف في الخلاف كمخالفة الإجماع وعدم ضعف جانبه في الاختلاف، لكن هل هذا التفريق معتبر في إطلاق كثير من أهل العلم، لا نرى له أثراً في كثير من إطلاقات أهل العلم لهذين اللفظين، تسمعون قالوا: خلاف أو اختلاف.

آخر من قام بالتعديل تركي الناصر; بتاريخ 08-11-2007 الساعة 01:22 PM.
تركي الناصر غير متصل