مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 24-11-2007, 08:09 AM   #8
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
أخي كع كع نشكرك على غيرتك على لغة القرآن , وإنها لغيرة محمودة أسأل الله أن يثيبك عليها , ولكن هناك أمور لعلك غفلت عنها , ولا أظنك تجهلها , وهي كالتالي :
1. أن اللغة العربية محفوظة بحفظ الله تعالى لكتابه , وسنة رسوله , وما دام فينا تراثنا العربي الأصيل من شعر فصيح , وكتب العلماء فإن هذه اللغة لا يمكن أن تموت , ولا يحق لها أن تموت , فهي اللغة الخالدة , رغم عوادي الزمن , ومكائد البشر .
2. أن اللغة - أي لغة - تعد سمة إنسانية , وظاهرة بشرية قابلة للتغير , والتأثر بما حولها من متغيرات , ولهذا جميع لغات العالم يعتريها مثل هذه التغيرات , وهناك مستويان للغة في جميع لغات العالم , المستوى النخبوي وهي اللغة الفصحى التي تكون اللغة الرسمية للأمة في إعلامها , وصحفها , وخطاباتها الرسمية , ومراكزها الأكاديمية , نحو ذلك , وهذا بحمد الله موجود لدينا معشر العرب بنسبة كبيرة جداً , وإن كان يعتريه بعض الضعف أحيانا .
والمستوى الثاني : المستوى العامي , وهي أحاديث الناس فيما بينهم , في بيوتهم , وأماكن معاشهم , ومجالسهم , ومنتدياتهم , وهذا النوع فيه بعد عن العربية من حيث الإعراب فحسب , أما من حيث المعجم اللغوي , والأداء الصوتي فأغلبه عربي فصيح .
وقد فطن العلماء الأوائل لهذين المستويين من اللغة ففرقوا بين لغة الأدب والتأليف والخطابة , وبين لغة العامة في البيوت والأسواق فهذا إمام العربية في زمانه أبو عثمان الجاحظ يقول في بيانه : " وكذلك إذا سمعت بنادرة من نوادر العوامّ , وملحة من ملح الحشوة والطغام , فإياك أن تستعمل فيها الإعراب , أو تتخير لها لفظاً حسناً , أو تجعل فيها من فيك مخرجاً سريا و لإن ذلك يفسد الإمتاع بها , ويخرجها من صورتها , ومن الذي أريدت له .... ثم قال بعد ذلك : ولأهل المدينة ألسنة ذلقة , وألفاظ حسنة , وعبارة جيدة , واللحن في عوامهم فاش ... " البيان والتبيين 1/ 146 ( هارون ) .
وقد تتبعت المستوى اللغوي عبر العصور فوجدت أن اللغة العربية لم تستخدم بمستواها الفصيح الأعلى بين العامة إلا في العصر الجاهلي وعصر صدر الإسلام , ثم بدأت العامية تتفشى بين أوساط الناس , حتى انتشرت على ألسنتهم فظهرت مؤلفات تعنى بلحن العامة بدأت بالكسائي رحمه الله المتوفى سنة 189هـ , ثم تتابع التأليف فيها , حتى أصبحت ظاهرة بين المثقفين في مجالسهم , ولا ينكر أحدهم على الآخر , فهذا ابن بري - مثلا - وهو إمام العربية في زمانه يشرح لطلابه بالعامية ويلحن في كلامه [ وفيات الأعيان 3/ 109 ] , وغيرها من الصور الموجودة في كتب التراث .
فكن مطمئنا يا أخي , فلغتنا خالدة بإذن الله , وأما تكليف الناس بأن يتحدثوا بخلاف ما جرت عليه ألسنتهم فهذا من الشطط الذي لم يقل به أحد . صحيح أن اللحن واستخدام العامية قبيح كل القبح على المستوى الرسمي كاستخدامه في الإعلام , والخطابة , والصحافة , وأروقة الجامعات , والتأليف , ونحو ذلك , أما في البيوت , وبين الأولاد , وفي الأسواق فلا بأس و وهومستعمل قديماً , والله أعلم .
__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل