مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 06-12-2007, 06:42 PM   #5
أبوعمر السحيم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2003
البلد: :: المملكة العربية السعودية ::
المشاركات: 1,017
السلام عليكم ...

ذكرتني حينما قرأت الموضوع بقراءتي في كتاب النظرات للأديب القدير : مصطفى لطفي المنفلوطي ..
فقبل سنيّات استشرت أحد المدرسين في المرحلة الثانوية عن ماذا أقرأ من الكتب الأدبية ؟ فطرح لي بعض أسماء الكتب ومنها كتاب النظرات هذا ، وقال لي : لكن الكاتب متشاءم من الوضع الذي عاشه ، وينظر نظرة سيئة للواقع ، فإذا قرأت منه فانتبه واحذر أن تتشبع من مثل هذه الأفكار !!
فالكتاب من ناحية مواضيعه وملامسة الواقع والأدب ونحو ذلك هو جيد في بابه .. لكنه من ناحية المضمون : فهو متشاءم حتى النخاع -كما يقال- من الواقع ومعاشرة الناس وخلطتهم .. وكنت أقرأ وأتعجب من كثير من مقولاته وكلامه لشدة التشاؤم !! وربما صادفني الموقف من مواقف الحياة فأقول : صدق المنفلوطي !
وبما أنك تنظر هذه النظرة إلى الناس والواقع : فاقرأ الكتاب لعله يوافق ما تقول ..



وبالنسبة إلى نقلك من ديوان الشافعي : فالشافعي شخصية عجيبة .. وشاعر عظيم .. يعرض لك المقطوعة من شعره فلا تستطيع أن تفك عينك عن التعلق بالسطور إلا نهاية المقطوعة ..
إمام يجيد الوعظ .. ويلهب القلوب بسياطها .. ويحرك الإيمان من مكامنها .. فمن أراد شعر الوعظ والتوجيه فليقصد هذا الديوان .. وليؤم هذا الشعر ..
وهو شاعر : يعطيك الإشارة من الكلام ولا يطيل .. ويكتفي من القلادة بما أحاط بالعنق .. فلا يطنب حتى تمل وتترك .. لا ؛ بل يعطيك من شعره حتى إذا تحمست وبلغت القلوب الحناجر وقلت : زدنا ، قال : انتهينا ، فيتركك في تعلقك بشعره وإرادة المواصلة حتى تنهي الديوان !! <تشبيه مقتبس من كلام للشيخ الأديب الأريب الدكتور : عائض القرني>
كيف لا وهو القائل :
(ولولا أن الشعر بالعلماء يزري * لكنت اليوم أشعر من لبيد )
حتى إنك لتجلس في مجلس من المجالس فيمر عليك بعض الأبيات يستشهد بها أحد الجلوس وإذا بها من ديوانه .. والمستشهد بها يقول : قال الشاعر ، ولا يعلم أنها لهذا الإمام .. فأبياته سائرة على ألسن الناس .. وهي جديرة بذلك .. لما تحمله في طياتها من الحكمة والوعظ والحسن والجمال والبهاء ..

وفي آخر العطلة الصيفية الماضية كنت في بيت الله الحرام .. وقررت أن يصاحبني هذا الديوان مدة إقامتي هناك (عشرة أيام تقريباً) .. فكنت أقرأ فيه وأطيل وأتمعن في مقالاته وأتأمل .. وكانت نسخة رديئة من ناحية الطباعة .. سيئة من ناحية التحقيق والإخراج .. حتى أن المحقق لما عرف رداءة عمله وتحقيقه وعبثه بهذا الديوان لم يكتب اسمه !! بل اكتفى بالكنية !! فكتب :
ضبطه وراجعه : أبو عبد الرحمن ؛ ومن أبو عبد الرحمن هذا ؟
ولك أن تعجب كما تعجبت أنا .. لكن عظمة كلمات الديوان أغرقت خطايا التحقيق والإخراج ..

وكان مما شد نظري ولفت انتباهي في هذا الديوان : هو أن الشافعي يركز على بعض المواضيع والمعاني يركز فيها ويكثر منها .. فحاولت أن أرتب هذا الديوان لنفسي تريباً موضوعياً بعد كان على القافية .. حتى تكون الاستفادة منه أكثر .. وهي طريقة مجربة ينصح بها .. فكان من أبرز المواضيع التي تكلم فيها وأكثر من الكلام عنها هي في تجربته مع الدنيا وعيشه مع الناس وتعامله معهم حتى كتبت في ترتيبي له (موضوع : فن التعامل مع السفهاء) !! فقد تكلم عنه كثيرا .. وأما موضوع (التعامل مع الناس) فقد تكلم عنه في أكثر من عشرين مقطوعة شعرية ..
ولعل تأذيه من سوء معاملة الناس والعيش معهم ووصفهم بأوصاف عجيبة جداً : هو اتصافه بالهمة العالية .. وعزة النفس العظيمة .. وهذا ظاهر لمن تأمل ديوانه رحمه الله ..

ومن عجيب الموافقات : أني قابلت أحد الفضلاء في الحرم المكي حين قراءتي لهذا الديوان .. فذكرت له ذلك وما حصّلته من أن نتيجة تأذيه من الناس هي عزة النفس التي حباه الله بها .. فوافقني على ذلك وقال : أن سبب اتصاف الإمام الشافعي رحمه الله بهذه العزة والقوة هو : أنه نشأ يتيماً رحمه الله .. وقد مات والده وهو صغير جداً لم يجاوز الخامسة من عمره ، ثم خرج إلى قبيلة هذيل العربية فعاش عندهم (بغية تعلم العربية وهو القائل : ما أردت بالعربية إلا الاستعانة على الفقه ) .. فهذا مما ساهم في عزة نفسه .. وقوة بأسه .. وعلو همته .. فنشأ لا يعرف لأحد عليه يداً يأمره وينهاه بها .. فأصبح عزيز النفس قوياً .. يأبى كل ضيم .. ويأنف من كل ذل .. ويكره كل خطأ .. ففاضت قريحته الأدبية بهذه الأبيات العظيمة .. فلله دره ..

هذه مشاركة خفيفة .. وقراءة ميسرة في ديوان هذا الإمام الأجل : أبو عبد الله .. محمد بن إدريس
الشافعي .. فرحمه الله رحمة واسعة ..

وهنا تنبيه يحسن ذكره : وهو أن ديوان الإمام الشافعي المطبوع المتداول على اختلاف تحقيقاته وخدمته ؛ كثير من الأبيات التي فيه دخيلة لا أصيلة .. أدخلت في الديوان وليست منه .. وهذا يعرفه المحقق البارع .. لأن بعضها تجده من شعر الجاهليين -مثلاً- وتجده منسوب إليه !! لأنه كان يتمثل به .. أو تجد من ركاكة أسلوبه وضعف مبانيه ومعانيه ما تجزم بأنه منسوب إليه ولم يقله .. وهذه الفائدة العلمية استفدتها من مقال بعنوان : (النصوص العشرية المنسوبة إلى الشافعي وغيره ، تخريج وتوثيق) للأستاذ الدكتور : مجاهد مصطفى بهجت ، وهو منشور في مجلة الأحمدية .. العدد الثامن ، وحقق هذه الأبيات وما تصح نسبته إلى الشافعي ..

والله الموفق إلى كل خير ؛؛
أبوعمر السحيم غير متصل