الحمدُ للهِ وحدَه ..
قال تعالى : ولا يَغْتَبْ بعضُكم بعضاً
وقال رسولُ اللهِ - كما في حديثِ العلاءِ بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - : « أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ». قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : « ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ ». قِيلَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ : « إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ ».
قال الرَّاغبُ الأصفهانيُّ في ’’ الذَّريعَة إلى مكارمِ الشَّريعَة ‘‘ ص 188 :
( الغيبةُ : أن يذكرَ الإنسانُ غيرَه بما فيه من عَيْبٍ من غيرِ أنْ يُحْــوَجَ إلى ذِكره )
فالأصـلُ في الكلام بما يقدح : التحريمُ .
وقدْ عدَّه غيرُ واحدٍ من أهلِ العلم في جملةِ الكبائر !
وكلّ الحالات التي استثناها أهلُ العِلْمِ ؛ استقراءً للنُّصوصِ ؛ نَجدُ أنها تدورُ مع الحاجَةِ حيثُ دارتْ ..
نظمها بعضُهم بقوله :
والقَـدْحُ ليس بغيبةٍ في ستـَّـةٍ ** مُتَظَلِّمٍ ، ومُعَرِّفٍ ، ومُحذِّرِ
وَلِمُظْـهِرٍ فِسْقاً ، ومُستفتٍ ، ومَنْ ** طَلَبَ الإعانةَ في إزالةِ مُنْكَرِ
ولذا ؛ فإنَّ الواجبَ على المُسْلِم - فضلاً عن طالب العلم - أن يَزُمَّ اللسان ؛ لاستشعارهِ رُكْنَ الإحسان ، ولا يَتكلَّم بما يُنْقِصُ الإيمان .
فاللسان صغيرٌ حجمُه ، كبيرٌ خطره .. لا ينبغي لطالبِ عِلْمٍ أن يتهاونَ في شأنِه ؛ فيهلك من غيرِ أنْ يشعر !
هذه وصيَّتي - عَلِمَ اللهُ - لنفسي أولاً ، ثمَّ لكم أحبَّتي الفضلاء .
فليحاسبِ المرءُ نفسَه ، ولا يُكثرِ الكلامَ بحُجَجٍ هي من تلبيس إبليس ؛ فكم من كلامٍ جاءَ بِلَبوسِ التقوى ، وتسعةُ أعشاره لغيرِ الله ، وطالبُ العلمِ ليس مِهْذاراً ثرثاراً !
رَحِمَ اللهُ ابنَ دقيق العيد ؛ لمَّا قال : ( ما تكلَّمتُ بكلمةٍ منذ أربعين سنةً إلاَّ أعددتُ لها جواباً بين يدي الله ) !
فاللهَ اللهَ أحبتي في كَبْحِ هذا العضوَ الصغير الذي لربَّما أوردَنا الموارِد !