[أبوعمر السحيم]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..

أما عن التشنيع على النقل وأهله: فهو من تشديدات المتأخرين فيما أتوقع .. فقد كان الأوائل ينقلون من بعضهم البعض دون أن يشيروا أدنى إشارة .. ولم يشنعوا ويشددوا على بعضهم .. أو يسقطوا الأمانة عن الناقل إذا لم يشر .. فما دام أن الكلام مفيد فإنه ينقله .. سواء أشار أو لم يشر ..

فهذا الموفق ابن قدامة رحمه الله تعالى -صاحب المغني- اختصر كتابه النفيس : (روضة الناضر وجنة المناظر) في أصول الفقه من كتاب المستصفى للغزالي .. وربما نقل فصولاً وأبواباً منه ولم يشر إليه .. أو أنه نقله منه أو اختصره .. وكتاب الروضة هذا يعتبر من أفضل وأنفس ما ألف في الأصول ..

وكذلك شمس الدين ابن قدامة -غير الأول : وهو صاحب الشرح الكبير- نقل أغلب المغني ووضعه على المقنع كشرح له ولم يشر .. حتى قال بعض شيوخنا : وليس فيه كبير فائدة لأنه نقله من المغني .. وقال آخر : نقل 99% منه !!

وابن حجر رحمه الله تعالى كان ينقل تحقيقات ابن الملقن رحمه الله ولم يشر إليه .. حتى قال بعضهم : ليتنا لم نطلع على كتب ابن الملقن حتى تحسب هذه الترجيحات لابن حجر .. وما زال للفتح قيمته العالية العظيمة .. حتى قال الشوكاني رحمه الله (لا هجرة بعد الفتح) لما طلب منه شرح البخاري ..

والإمام ابن أبي العز الدمشقي الحنفي نقل من أغلب كتب الشيخين الإمامين : ابن تيمية وابن القيم .. وضمنهما شرح كتاب (العقيدة الطحاوية) وما زال العلماء يعرفون لهذا الشرح القيم الثمين قدره ومنزلته .. ولجامعه رفعته وإمامته .. مع أنه ناقل مرتب -في أغلب الأحيان- ولم ينكروا عليه أو يشنعوا ..

وتقرأ أحياناً في مسألة وتبحثها في مظانها فتجد النص الذي هنا هو في الكتاب الآخر بنصه ولم يشر الناقل .. وغالباً ما ينقل من كتاب الكشاف للزمخشري أو مفاتيح الغيب للرازي في التفسير -وخاصة عند المتأخرين- دون أن يشيروا بحرف إلى أنه منهما !!

فهذه نماذج قليلة تبين أن المهم -عند الأوائل- هو الفائدة والمعلومة .. قيلت أو نقلت .. وإن كان الأكمل والأفضل : هو النسبة والإضافة لصاحب الفضل .. فهو من الاعتراف بفضله .. ونسبة الفضل إلى أهله .. وهو من شكر العلم وأهله .. ولكنه ليس بقادح عظيم .. وليس بخطأ جليل .. يسقط لأجله الكاتب .. أو يتهجم على الناقل .. حتى جاء المتأخرون وقالوا: هذا مخالف للأمانة العلمية .. وأدوخ الدكاترة الأجلاء! رؤوس الطلاب في البحوث لأنهم خالفوا الأمانة العلمية !!

فهذا مجرد رأي في هذا الأمر .. والله يتولى الجميع بحفظه ورعايته ؛؛