مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 17-02-2008, 07:26 PM   #10
أبو سليمان الحامد
كاتب مميّز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2006
البلد: في مكتبتي
المشاركات: 1,537
أخي العزيز أبوس : هذا رأيك فيما ذكرت , وأنا أحترمه كاحترامي لعقليتك وعلميتك الفذة , ولكن أود أن أذكرك بأمر هام , وهو أن الدلالة اللغوية مبناها على السعة وليس على الضيق , ولا سيما في هذا الزمن الذي بعد العهد به عن زمن الفصاحة . فإذا وجدنا لفظاً لغوياً نطق به مَنْ نطق , وكانت له صلة باللفظ الفصيح قريبة كانت أو بعيدة , فالأحرى قبولها .
ولو تأملت صنيع ابن جني في خصائصه - وأظنك فعلتَ - لرأيت العجب العجاب في كيفية توسعه في الدلالة , واشتقاقاته التي تصل إلى حد التكلف أحياناً , وما ذاك إلا لأنه علم طبيعة اللسان العربي وأن مبناه على التوسع وليس على التضييق . وفي ظني أن هذا ما كان يروم إليه ابن فارس في مقاييسه حين يضع للأصل اللغوي أصلاً أو أصلين أو أكثر من ذلك , ليبين للقارئ أنه يجوز له استعمال هذا اللفظ ما دام يدور في فلك هذا الأصل ولم يخرج منه , وكان هذا منهج أبي تمام في شعره حيث يولد المعاني من الألفاظ التي يظنها الناس ذات معنى جامد , حتى عيب عليه هذا الأمر كما لا يخفى عليك .
وبهذا الأمر يتفاضل الناس في استعمالهم اللغوي , فمن جمد على مانطق به العرب ولم يولد أو يشتق من كلامهم المعاني الجديدة التي لا تخرجه عن الأصل فأنه لا يعدو إلا أن يكون حافظاً لكلام العرب , وأما من أبدع واشتق واستعمل المجاز والكنايات بما لايخرجه عن الأصل فذاك العبقري الألمعي , كما هو الفرق بين الخليل والأصمعي .
وقد نقلت لك كلام عالِمين من علماء اللغة هما الزجاج وابن فارس يشيران إلى المعنى الأصلي لكلمة ( الفَواق ) بالفتح , وأنها تعني الرجوع دون التقييد بالناقة وتأبى رعاك الله إلا ان تجعله خاصاً .
وقد قال ابن جني في خصائصه : ( باب في أن ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب . هذا موضع شريف , وأكثر الناس يضعف عن احتماله , لغموضه ولطفه , والمنفعة به عامة , والتساند إليه مقوٍّ مُجْدٍ ... ) الخصائص [ 1/358 ] . فإذا كان هذا مع الألفاظ وهي أضيق عطنا من المعاني فالاتساع في المعاني بما هو مأخوذ من كلام العرب أولى بالقبول .
ومهما يكن من أمر فلكلٍ وجهة , واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية . ولك تحياتي ولجميع من شارك من الأحبة .
__________________

وَمِنْ عَجَبٍ أنَّ الفتَى وهْوَ عاقِلٌ ,,, يُطِيعُ الهَوَى فِيما يُنافِيه رُشْدُهُ
يَفِرُّ منَ السُّلوان وهْوَ يُرِيْحُـهُ ,,, ويأوِي إلى الأشْجانِ وهي تَكُدُّهُ


[ محمود سامي البارودي ]
أبو سليمان الحامد غير متصل