مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 21-03-2008, 12:29 AM   #7
الـصـمـصـام
عبدالله
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
البلد: .
المشاركات: 9,705
..


جزاك الله خيراً على هذه التأملات و الإلماحات ..
و بالنسبة لتتبع الرخص ، فلعلي آتي بما يناسب هذه القضية وهو موضوع قديم كتبته هنا :
اقتباس
المشاركة الأساسية كتبها الـصـمـصـام
بسم الله الرحمن الرحيم


:: المراد بتتبع الرخص ::

لغةً / الرُّخُْصَة (بإسكان الخاء وضمها) في اللغة، ويراد بها: التخفيف والتسهيل والتيسير، وأصل الكلمة كما يقول ابن فارس "يدلّ على لينٍ وخلاف شدة" كما في معجم مقاييس اللغة (ص447)، وانظر مادة (رخص) في: المصباح المنير (ص85)، القاموس المحيط (ص800).
المقصود به هنا / أختارُ لكم أيها الأحبة ماعرّفه بعض الباحثين بأنه: "تطلّب السهولة واليسر في الأحكام، فمتى ما رأى المتتبع للرخص الحكم سهلاً في مذهب سلكه وقلّده فيه، وإن كان مخالفاً لمذهبه هو الذي يلتزم تقليده" من كتاب التقليد في الشريعة الإسلامية، د. عبد الله الشنقيطي (ص147).

:: هل يجوز للعامي تتبع الرخص ::

ذهب بعض المتأخرين إلى جواز تتبع الرخص و احتجوا :
1/ قوله - صلى الله عليه و سلم - ( بعثت بالحنيفية السمحة ) رواه الخطيب في التاريخ . انظر الجامع الصغير مع فيض القدير (3 /203 ) .
ووجه الاستدلال : أنه - عليه الصلاة و السلام - أخبر أنه بُعث بالحنيفية السمحة ، و هي السهلة المُيسرة ، و الأخذ بالرخصة فيه يسرٌ و سهولة ، فدل على جواز اتباع العامي لرخص المذهب .
2/أن الأخذ بالرخص نوعٌ من اللطف بعباده ، و الشريعة لم ترد بقصد مشاق العباد ، بل جاءت بتحصيل المصالح ، فللإنسان أن يسلك الأخف عليه إذا كان إليه سبيل .
3/ كان - عليه الصلاة و السلام - يحب ما خفف على أمته ( فما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ) كما جاء عند مسلم ، قالوا : و ما نقله ابن عبدالبر : " لا يجوز للعامي تتبع الرخص إجماعاً " : دعوى الإجماع ممنوعة ، فقد روي عن الإمام أحمد في تفسيق متتبع الرخص روايتان ، فأين الإجماع ؟! فالمسألة تحتاج إلى دليل يمنع ذلك ، ولم يوجد . غير أن الأحوط للإنسان أن يجعل هواهُ تبعاً لدينه ، ولا يجعل دينه تبعاً لهواه .

و القول الثاني يمنع من ذلك و أدلتهم :
1/ ان الأدلة الدالة على يسر الشريعة وسماحتها كقول عائشة -رضي الله عنها-: (ما خُيِّر النبي بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً) وغير ذلك من النصوص الواردة في التوسعة، والشريعة لم تَرِد لمقصد إلزام العباد المشاق، بل بتحصيل المصالح الخاصة، أو الراجحة وإن شقّت عليهم
تقتضي السماحة واليسر في الشريعة المقيّد بما هو جارٍ على أصولها، وليس تتبع الرخص ولا اختيار الأقوال بالتشهي بثابت من أصولها، بل هو مما نُهي عنه في الشريعة ؛ لأنه ميلٌ مع أهواء النفوس، والشرع قد نهى عن اتباع الهوى .
2/أن الله -تعالى - أمر بالردّ إليه وإلى رسوله ، واختيار المقلّد بالهوى والتشهّي مضاد للرجوع إلى الله ورسوله قال تعالى : {فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ }
3/ أن تتبع الرخص مؤدٍ إلى إسقاط التكليف في كل مسألة مختلف فيها ؛ لأن له أن يفعل ما يشاء ويختار ما يشاء، وهو عين إسقاط التكليف، فيُمنع سداً للذريعة .


:: مفاسد اتباع رخص العلماء ::

1/ الانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف، ثم إنه لا يوجد محرّم إلا وهناك من قال بإباحته إلا ما ندر من المسائل المجمع عليها، وهي نادرة جداً.
2/الاستهانة بهذا الدين ؛ إذا يصير بهذا الاعتبار سيَّالاً لا ينضبط .
3/ترك ما هو معلومٌ بالدليل إلى ما ليس بمعلومٍ به .
4/انخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف، فتضيع الحقوق، وتعطّل الحدود، ويجترئ أهل الفساد .
5/إفضاؤه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يَخرق إجماع العلماء .


:: أمثلة لتتبع الرخص ::

المثال الأول : أن يُقلد أبا حنيفة في أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء ، و يقلد الشافعي في أن خروج الدم لا ينقض الوضوء ، ثم يُصلي ، فهذه الصلاة لا يقول بصحتها أحد الإمامين .
المثال الثاني : أن يتزوج بلا ولي ولا صداق و لا شهود ، فإن النكاح الخالي من هذه الثلاثة ليس بصحيح عند أحد من العلماء .و هذا التلفيق الحرم .
المثال الثالث : أن يأخذ بقول أهل مكة في إباحة المتعة بالنساء ، و إباحة ربا الفضل ، و بقول أهل المدينة في السماع ، و بقول أهل الكوفة في النبيذ .



:: أقوال العلماء في تتبع الرخص ::

1/قال الأوزاعي : "من أخذ بنوادر العلماء خرج من الإسلام"أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/356)، وإسناده حسن. وقال أيضاً: "يُترك من قول أهل مكة المتعة والصرف، ومن قول أهل المدينة السماع وإتيان النساء في أدبارهن، ومن قول أهل الشام الجبر والطاعة، ومن قول أهل الكوفة النبيذ والسحور"أخرجه البيهقي في الكبرى (10/356)، وإسناده ضعيف، وله شواهد ومتابعات، انظر تلخيص الحبير (3/187).و روي مثله عن الإمام أحمد .
2/ عن إسماعيل بن إسحاق القاضي قال:" دخلت على المعتضد فدفع إلي كتاباً نظرت فيه وكان قد جمع له الرخص من زلل العلماء وما احتجّ به كلٌ منهم لنفسه، فقلت له: يا أمير المؤمنين مصنف هذا الكتاب زنديق، فقال: لم تصح هذه الأحاديث ؟ قلت: الأحاديث على ما رويت، ولكن من أباح المسكر لم يبح المتعة، ومن أباح المتعة لم يبح الغناء والمسكر، وما من عالم إلا وله زلة، ومن جمع زلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه، فأمر المعتضد فأحرق ذلك الكتاب"أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10/356) وإسناده صحيح، وانظر: سير أعلام النبلاء (13/465).
3/عن سليمان التيمي قال: "لو أخذتَ برخصة كل عالِم اجتمع فيك الشرّ كله"أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (2/927) وإسناده صحيح، وانظر: المسودة (ص518-519).




و للاستزادة يُراجع فواتح الرحموت شرح مسلم الثبوت (2/452)ومابعدها ، إرشاد الفحول (ص272)
الموافقات للشاطبي(4/93)وما بعدها ، الإنصاف في مسائل الخلاف(11/196)، أصول الفقه لمحمد الخضري (ص422)،أصول الفقه طه الدسوقي(ص365) ، التقليد و الإفتاء و الاستفتاء للشيخ عبدالعزيز الراجحي (ص166) .

:: تنبيه ::

لم يصح أن أهل المدينة قالوا بجواز إتيان النساء في أدبارهن ، و قد أبطل الإمام القرطبي هذا في تفسيرهـ و لعلي آتي به لاحقاً بحول الله وقوته و من أراد الفائد فليرجع إلى تفسير القرطبي (3/93)


أسال الله تعالى أن يُرينا الحق حقاً و يرزقنا اتباعه ، و أن يُرينا الباطل باطلاً و يرزقنا اجتنابه .
و الله الموفق ..

أخوكم/
الصمصام
29/5/1428هـ

__________________




ياربي ..افتح على قلبي ..
و طمئنه بالإيمان و الثبات و السلوة بقربك ..
[عبدالله]

من مواضيعي :
آية الحجاب من سورة الأحزاب ( أحكام و إشراقات )
::: كيف نقاوم التشويه ضد الإسلام و ضد بلادنا:::(مداخلتي في ساعة حوار مكتوبة و مشاهدة)

الـصـمـصـام غير متصل