بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (8) سورة المائدة
و من هذه الآية ، يتبين لنا المنهج السليم حين تتعد الآراء و الاجتهادات ، و تتعدد الأقوال و ربما تتعارض ، فتضمنت هذه الآية الكريمة أمرين لا يمكن العدول عنهما في هذا الباب ، وهما : الشهادة لله بالحق ، و القسط مع الخصوم ، فالقسط و العدل لا ينافي بيان الحق و الصدع به ، كما أنه على العكس من ذلك ، فبيان الحق و إيضاح الصواب لا يعارض العدل مع الخصم ، و هذا كما جاء في الآية أحرى للصواب ، و أقرب للتقوى ..
و قد سار على ذلك النبي – صلى الله عليه و سلم – و الأئمة الأعلام من الصحابة و من سار على منهجهم من السلف الصالح ، الذين عرفوا قدر ما وعته عقولهم ، و ما حوته قلوبهم من نور العلم ، و تهذيب الإيمان ، فردعهم ذلك عن الإيغال في الطرق الوعرة ، و الإحجام عن الدخول في الصد عن سبيل الله ، باسم الدين و بيان الحق ..
فقد قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى يبين المنهج الذي يسير عليه : " و أنا في سعة صدر لمن يخالفني و إن تعدى حدود الله فيَّ بتكفير أن تفسيق أو افتراء أو عصبية جاهلية ، فأنا لا أتعدى حدود الله فيه ، بل أضبط ما أقوله و أفعله بميزان العدل ، و ذلك أنك ما جزيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه ، و الله مع الذين اتقوا " أهـ
و إنك حينما تتأمل كلام هذا الإمام – رحمه الله – لتشعر بأن أنوار الهدي النبي تلوح بين جنباته ، و هذا حال من تربى و عاش و مات – كما نحسبه و الله حسبيه – مع كتاب الله ، و مع هدى خير البشر – صلى الله عليه و سلم –
كثيراً ما يتنافس أهل الباطل و الأهواء بزخرفة أباطيلهم ، و تزيين أفكارهم و آرائهم ، ليتوافد عليها الناس إعجابا بحسن مظهرها ، و بريقها ، بينما يرد أهل الحق بأسلوب غليظ ينفر ، و يزيد المنكر منكراً أعظم و أشد ، فيتمادى الناس في الصدود لشناعة قول صاحب الحق ..
من كانت هذه طريقته في دحض المنكرات ، و هذا مذهبه في رد الشبهات ، فليكرمنا بسكوته ، و ليرح المسلمين من فضاضة خلقه ، و غلظة قوله ، لكي لا يشوِّه لَبوس الحق بصفات أهل الباطل ..
كم نحن بحاجة إلى ملازمة الورع قبل العلم ، و لهذا عَرَّف غير واحد من أهل العلم بأن العلم هو الخشية ، فالداعية الغليظ الشرس يصد عن سبيل الله ، و يبعد الناس عن الحق ، و يحدث فجوات كبيرة بينهم و بين الطريق المستقيم .
فلنطهر ألسنتنا و لننق صفحاتنا مما يشوبها ، و لنجعل السعي للإصلاح على نسق مشروع يرضاه الرحمن ، فالكثير منا يَغضَبُ لله ، ثم يُغضب الله تعالى في طريقة إنكار المنكر أو الرد على فلانٍ من الناس الذين يخالفهم ..
دمتم بخير و على خير ..
أخوكم / عبدالله