هو الشاعر الجاهلي امرؤ القيس , وحامل لواء الشعراء إلى النار كما أخبر بذلك النبي - عليه الصلاة والسلام - , جاء البيت على هذا النحو :
قفا نبكِ من ذكرى حبيب ومنـزل - - - بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فكانت العرب تتمثل بهذا البيت , وتضرب به المثل في الشهرة , فإذا استحسنوا شيئًا قالوا : أشهر من قفا نبكِ ! ولم نجد لهم ضربًا بالمثل للشيء الذي منه نفع أو فائدة , فهم خاوون بلا علم , وبلا مخترعين , وبلا محدثي التجديد في عصرهم .
حين يحتفي العربي المعاصر بهذا البيت ويضرب به المثل ؛ فإنه يدل على أنه مُخدّر تبعًا لتلك العقلية القديمة , ونعزوا سبب هذا الاهتمام وهذه الشهرة إلى ما للعربي من خواء فكري , وتعصب للقديم مهما يكن , فهو يقدسه وكفى .
هذا البدوي كان يطارد الحسناوات , ومدمن خمرة , وله شعر غزلي يتورع الحر الكريم عن ذكره , ولا يزال العرب يمجدونه , فلما جاء أبو نواس الخليع تغزل بالغلمان , وراح كثير من النقاد يعجبون بشعره , وكانوا بشعر عمر بن أبي ربيعة أعجب !
ما بال دارسي الأدب يهتمون بالفن ولا ينظرون إلى الدلالات في المعاني ؟ أيطربهم اللفظ الحسن على حساب التربية ؟ أم أنهم يتحسسون جودة البيت ودقة تصويره دون النظر إلى مزالقه الأخلاقية ؟ !
يخيل إليّ من أن سبب البلاء العربي هو عشقهم للشعر الذي لم يكن لهم صنعة سواه , فقد عشقوه حين كان كما السيف , وتولعوا به حين كانوا بلا علوم سوى هذا الفن الكاذب الذي يطرب الأذن ولا فائدة وراءه .
حارب النبي الشعر بإزاء الأصنام , وقتل ابن أبي خطل المتعلق بأستار الكعبة , وكاد أن يفتك بكعب بن زهير , ولا يزال العرب اليوم يعتدون بالشعر الذي أعده جرثومة العرب , بل نجد النقاد يستحسنون الشاعر الذي يسير سير هؤلاء المنحرفين إما لفظًا أو معنى .
إن أمثال امرؤ القيس وعنترة وطرفة وغيرهم ما هم إلا منحرفون جنسيًّا وعقليًّا , والعرب من قلة عقولهم يشيدون بهم , ليدلوا بطريق غير مباشر على خور في عقولهم , وانحراف في ذوقهم التربوي , وأعني بهم أهل الأدب غير المنكرين على الشاعر الذي يحذو حذو الشعراء الجاهليين وغيرهم .