القمر15 : جزيت خيرا على النصيحة .
*************
أخي الكريم أبا ثامر :
أنا مضطر لطول قطع الحديث عن التهم مرتبة حسب الأعظم ؛ لأواصل ما بدأت من حوارك حول ذم سيد لأبي سفيان - رضي الله تعالى عنه -
ودعني من كلمة ( تكذب ) وأشباهها , ولنبعد عن الجدل السفسطائي ؛ لنتفرّغ لحوار هادئ قد أجد وإياك وكل متابع فيه نفعا قل أو كثر :
أقول :
دعنا نتجرد للحق ونغوص في تفصيلات المسائل التي أثيرت حول سيد - رحمه الله -
سؤال :
كان عمر ابن الخطاب – رضي الله تعالى عنه – مشركا يعبد الأصنام وهو من القلة الذين ارتكبوا وأد البنات !
فلماذا لم تؤاخذه بذلك ؟!
جوابك عن هذا يجب أن يكون هو جوابك عن سيد رحمه الله تعالى – رغم أن سيدا لم يأت بمثل ما جاء به عمر من السوء .
ولو تذكر فقد أجبتك سابقا عندما طرحت وأكثرت طرح سؤالك الاستعراضي الذي لا زلت تردده رغم جوابي لك . فقد أجبتك بأن كل ما تذكر عن مساوء سيد لا يوجد في كتبه
وقد سبق أن فنّدت لك رميه ببهتان القول بالحلولية أو وحدة الوجود ( الكفرية )
وإليك بيان آخر لمعنى عدم وجود تلك التهم في كتبه .
بما أننا مازلنا نتحدث عن تهمة سبه لأبي سفيان - رضي الله تعالى عنه – فاترك لي فسحة أبيّن فيها كيفية وصول ذلك السب للمجلة وما صاحبه باختصار لا يتعب – إن شاء الله تعالى - :
سيد – رحمه الله – لم يكن داعية راسخ الدين ثابت المنهج من أول حياته , بل كان قد نشأ شابا تائها كغيره من الذين تخطفتهم الاتجاهات التي كانت مستعرة في العالم ومصر من رأسمالية واشتراكية فكان في أول أمره يميل إلى تمثيل الاتجاه ( الوطني ) مشوبا بنزعات من النظرة الغربية مخلوطة ببعض الأثر من نظريات الاشتراكية
استمر هذا أربعين عاما من عمره ! ذلك حتى عام 1358 هـ 1939م .
وكان في هذه الفترة صب اهتمامه وتأليفه على الأدب ونقده وتياراته وشخصياته , فكتب في الأدب وألف في النقد الأدبي وتنول بالبحث كتب القدماء , وكتب عن مشاهير الأدب في عصره كالمنفلوطي , وأثار معارك إدبية في الصحف .
بعد هذا نمت لديه المشاعر الإسلامية ومال إلى التأليف عن القواعد الإسلامية في التعامل مع البشر والكون , وفي هذه الفترة ألف كتابه (( العدالة الاجتماعية في الإسلام )) وهو في الرد على النظريات الأرضية وخاصة الشيوعية ومعها الأسمالية مبينا زيفهما ومحاسن النظام الإلهي الذي جاء به الإسلام .
لكنّ رسوخ الفكر ونصوع المنهج لم يكن وصل إليه سيد في هذه الفترة .
وكان من أخطائه الشنيعة تطاوله على هؤلاء الصحابة الكرام في هذا الكتاب ( العدالة ... ) وفي كتاب آخر ألفه في هذه الفترة هو ( كتب وشخصيات ) .
وأما رسوخ سيد على مبدأ راسخ واتصافه بفكر ناضج فلم يبلغ تمامه – قياسا بقابل أيامه , وإلا فسيد أنضج في صباه من كثير من الرجال , وفي شبابه أتى بالأعاجيب من عظيم الفكر وبعد النظرة –
ومنذ عام 1372 هـ الموافق 1953 م حدث انقلاب في حياته وقناعاته – رحمه الله تعالى –
تحوّل أدى به إلى التبرؤ من كل كتبه التي ألفها في الفترة السابقة !
وقد كتب رسالة من يعلن فيها رجوعه عن تلك الأخطاء , ويحذر من طباعة كتبه السابقة ونشرها بين الناس !
وسألحق – إن شاء الله تعالى – بعض ما كـُـِب في هذا السبيل كشهادات لنزوع سيد عن أخطائه .
سأله أحد الذي كانوا معه : هل ذهبت مذهب الشافعي عندما بدّل مذهبه ؟
فأجاب : نعم , ولكن الشافعي غيّر بالفروع , وأنا غيّرت بالأصول !
وهي شهادة مهمة تدل على إعلانه أن تحوله كان جذريا .
إنها التوبة يا أخي الكريم أبا ثامر .
إن ذاك الذي كتب عن الصحابة الأربعة , وعن أبي سفيان – وهو موضوع حديثي الآن - ذم شنيع – غفر الله تعالى له - وكلنا مجمعون على أنه خطأ كبير وجرم في حق ذاك الصحابي الجليل يلزم منه التوبة .
والآن إليك قصة ورود ذلك الذم في مجلة ( المسلمون )
قد كان سيدا أخرج كتابه ( العدالة الاجتماعية في الإسلام ) عام 1366 هـ الموافق 1947 م.
وكان بينه وبين الشيخ محمود شاكر حوارات أدبية ساخنة في الصحف أثناء فترة حياته الأولى
وبعد صدور الكتاب بفترة كتب الأديب المؤرخ محمود شاكر – رحمه الله تعالى – في مجلة المسلمون عام 1371 هـ الموافق 1952 م هاجم فيه سيدا لذمه هذا الصحابي الجليل وعثمان ومعاوية وعمرا - رضي الله عنهم أجمعين -
وكان سيدا عند تأليف الكتاب في بداية هدايته وتأليفه الديني , فرد على شاكر بما دل على إصراره على صحة ما ذهب إليه في كتابه من ذم لمواقفهم رضي الله عنه , وأكد أن النظرية منطلق شاكر في النقد غير سليمة !
لكن !
عام 1383 هـ الموافق 1964 م طبع الكتاب ( العدالة الاجتماعية ... ) طبعته السادسة وأزال منه كل ذم للصحابة الكرام , وهذا خير هدى الله سيدا إليه – فله الحمد والمنـّة .
فالسؤال يا أبا ثامر :
هل تغلق باب التوبة وقد فتحه الله إلى يوم القيامة ؟!
وهل تحكم بدوام الضلال , والله يهدي من يشاء ويدخله الجنة ولو لم يتمكن من سجدة واحدة ؟!
هذا عن ذمه لأبي سفيان , ثم رجوعه عنه وحذفه من كتابه – غفر الله له -
سأواصل الحديث في تعقيب آخر عن ذمه للصحابة , وكلامه عن موسى عليه سلام الله بما لا يليق – قبل رجوعه عن كل هذا -
فذاك وإن كان هذا الرد كاف لبيان ترك سيد له وإقلاعه عنه , إلا أنني سأتحدث عنه , لكن في تعقيب آخر – إن شاء الله تعالى - حرصا على عدم الإطالة عليك وعلى كل قارئ كريم , وطردا لسأم الكتابة عني
وأنا بهذا قطعت الحديث عن البهتان الصريح رميه بالتهم المكفّرة على أن أعود لها بـُعيد هذا . ذلك نزولا عند إلحاحك وكثرة طرحك لمسألة ذم الصحابة بصورة أوحت لي بأنك إما تجهل رجوعه عن هذا , أو لا تقبل منه رجوعه وتوبته !
والسؤال : هل ستظل لو ثبت لك رجوعه عن هذا هل ستظل تؤاخذه بشيء ( تاب ) منه , إذن يلزمك أن تؤاخذ الصحابة على شركهم السابق , كيف وقد ( جبّه ) الإسلام , أفلا يجب الإسلام سوءا أخف حصل من مسلم ؟!
لعلك أدركت شيئا من مقاصد جوابي لك سابقا بكلمة ( لا ) .ولم يزل لحديث صلة .
__________________
إذا قرأت توقيعي فقل :
لا إله إلا الله
هي خير ما يقال , وبها تكسب أجرا وتطمئن نفسا
***
في حياتي
سبرت الناس
فلقيت عند قلـّة معنى الوفاء
وقرأت في سلوك الكثيرين تعريف الدهاء
وامرأة وحدها , وحدها فقط , علّمتني معنى الثبات على المبدأ وبذل النفس له
آخر من قام بالتعديل برق1; بتاريخ 01-05-2008 الساعة 04:10 AM.
|