الرد على فتوى الأخ الفاضل سلمان بن فهد العودة في حكم الاكتتاب في شركة الاتصالات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله ، أما بعد:
سألتني أخي الكريم عن فتوى سلمان بن فهد العودة ، والتي جوز فيها الاكتتاب في أسهم الاتّصالات ،ولم أكن قراتها ، فلمَّا نظرتُ فيها ، وجدتُها أعجبَ مما حكيتَ ، وأبعد في الغلط مما رويتَ ،ولم أجده ذكر فيها ما يستند إليه ، ويعتمد في فتواه عليه.
وسأبيِّن لك الخلل الوارد عليه في فتواه بعد أن أتلمّس له أقرب موارد الأدلة شبهًا ، إذ ليست من الأدلة المعروفة بسبيل ، ثمَّ أذكر لك المسألة ، وما تُبنى عليه من قوانين الفقه ، نسأل الله الهداية والسَّداد.
وجدتُ حاصل كلامه فيها يرجع إلى أصلين:
الأصل الأول : أنّ السبب الموجب لبطلان العقد في الأول ، ليس موجودًا في الثاني.
وبنى عليه مسألتين:
أنه لا يلحق المساهم حكم الشركة فيما تعمله ، وأنَّ الشركة لا يلحقها حكم من استعمل خدمتها في القمار.
وغايةُ ما يُستأنس به لهذا ، حديث : هو لها صدقة ، ولنا منها هديَّة ، وما ينبني عليه ، من اختلاف حكم المال ووصفه ، إذا انتقل بطريق صحيحة عن يدِ من كان في يده.
ولا يصحُّ استعماله هنا لوجهين:
الأول: أن الحديث فيما يحلُّ للأول ولا يحلُّ للثاني ، فهو حلال للأول ، وانتقل بانتقاله عن يد الأول ، عن الصفة المانعة للثاني منه ، أمَّا ما لا يحلُّ لهما فلا يدخُل في الحكم ، بل هو حرامٌ على الأوَّلِ لا يملكه بل يجب عليه التصدّق به تخلّصًا كما هو معلوم ، وليس للثاني أن يعامله على ما ليس من ملكه.
الثاني: أنَّ الحديث ، لو ألحق به تنزُّلاً هذه الصورة ، لساغ أن تكون في معاملةٍ محرّمةٍ مضت ، أمَّا مع بقاء المعاملة المحرّمة ، واستمرارها فلا وجه للإلحاق ، لأن الانتقال لم يحصل به زوال سبب التحريم.
الأصل الثاني: أن القدر الذي وقع فيه الربا يسير يمكن التخلُّص منه.
وهذا لولا نصُّه لما ظننتُ منسوبًا إلى الفقه يقول به ، فإنَّ التخلَّص من المال المحرَّم يكون لمن وقع فيه ، وفي إثمه ، بعد أن يتوب ، على القولين في الربا لمن فعله بعد نزول الآية.
أمَّا أن يأمر بالدخول في العقد ، ثمَّ يتخلَّص فلم يسبقه أحد إليه.
فإن كان يقول إنَّ العقد الذي دخله حلالٌ ، فما عليه أن يُخرج شيئًا ، واليسير إن قال باغتفاره ليسره زال حكم التحريم عنه ، وإن لم يقل باغتفاره ، لزم حكم التحريم في العقد.
على أن هذا يلزمه في الكثير كاليسير ، فلو ساهم في شركة نصف ربحها ربا ، وتخلّص ، كان كهذا ولا فرق.
هذا إن كان أراد أن حكم اليسير يزول للتخلّص ، وأمَّا إن أراد أنّه يغتفر ليسره ، فلا أعرف من كلام الفقهاء ما يستخرج منه دليل لكلامه ، إلاَّ إن لجأ إلى أن التفاضل اليسير في النقدين ، ونحوهما مما يخفى غالبًا مغتفر ، وهذا ليس وجهه يسر الفرق ، بل حصول التساوي ظاهرًا ، لذا لم يجوّز أحد فضل ربع الدانق ولا أقلّ إن كان معلومًا ، في بيع آلاف الدراهم ببعضها.
هذا ما طلبت من الكلام على فتواه ، وأمَّا الكلام على المسألة :
فاعلم أنَّ المساهمة ، عقد شرِكة ، والمساهم شريك ، وشراكته إن لم يقيّداها ، مشاعٌ في كلِّ ما دخله رأس مال الشَّركة.
فالمساهم في شركة الاتصالات شريكٌ في كلِّ استثمارٍ للشركة ، أو موردٍ للربح ، مما لم ينصَّا على إخراجه من العقد.
ولا يختلف ذلك ، بين أن يشارك رجلاً ، ويضعان مالهما في الحرام ، وبين أن يشارك في شركة مساهمة ، ويكون المال أو بعضه في حرام من ربا ، أو ميسرٍ ، فكلُّ ذلك محرَّم.
فثبتت حُرمةُ المساهمة في شركة الاتّصالات ، لما عندها من الربا.
وأمَّا الميسر الحاصل في رقم 700 ، فلو كانت شركة الاتّصال تأخذ أجرة ثابتةً ، كانت المسألة من الإجارة لمن يستعمل ما استجأره في الحرام ، وهذا ما يرجع فيه إلى الغلبة.
أمَّا إن أخذت الشركة نسبةً ، فهي شريكٌ فيه ، ويلحقها من حكمه في الميسر ، ما يلحق المساهمين من حكم شركة الاتصالات في الربا ، والله أعلم.
وكتبه عبد الرحمن بن علي الجار الله
عفا الله عنه
في جلسته بعد عشاء الأربعاء
ليلة النصف من شوّال 1423
|