في إحدى حلقات برنامج شيخنا الذي تعرضه قناة ( Mbc ) , وكان موضوعها عن ( التعايش ) , نطق شيخنا بقوله ( ابن خَلدون الفقيه العظيم ) , فكانت فكرة هذا المقال تصوبيًا للشيخ حين تحدث عن مؤلف اجتماعي وليس بفقيه كما يظن , وأحسب أن شيخنا قد توهم ذلك عن طريق القراءة عن الذين ألفوا عنه دون قراءة تواليفه أو بعضها .
إن ابن خَلدون ليس بفقيه البتة , وليس له باع في الفقه لا من قريب ولا من بعيد , وإنما توهم الناس ذلك حين ولي قضاء القاهرة , فحسب الناس أنه تولى القضاء لفقهه , وإنما تولى القضاء لأسباب يطول شرحها هنا , على أننا لو أردنا أن نسأل عن الرجل _ أي رجل _ لسألنا المحيطين به ؛ ذلك لأنه ضالع بينهم , متعايش معهم , فهم يعرفون عنه ما دق وما كبر .
لذلك تعجب أهل المغرب – وهو موطن ابن خَلدون – حين ولي القضاء في القاهرة , حيث سخروا من أهل مِصْر حين ولوه القضاء , على أنه لم يلبث كثيرًا حتى أبعده أهل مصر عنه , فكان له قصيدة لولي نعمته في القاهرة ولم تنجح محاولته , وكيف يكون فقيهًا وهو من تسور السور لكي يقابل تيمور لنك في دمشق , وقد وصفه بما يوصف به الأنبياء , بَله نجده يعترف بكتابه ( التعريف ) بهذا النفاق , فقد أهداه هدية , ثم طلب منه ما يطلبه الشعراء الماجنون على قصائدهم , ثم كيف يكون فقيهًا وهو يتعصب لصحة نسب الفاطميين ليلحق فسادهم بفساد آل علي – رضي الله عنهم - , إن من يقرأ كتابه التعريف وهو السيرة الذاتية له يجد عجبًا , فإنه يذكر شطحات قد قام بها بلا مواربة , علاوة على ذلك فإنه يسخر من الفقهاء ويندد بهم , ودونكم قول ابن حجر العسقلاني فيه من أنه رجل متناقض , يحب المخالفة حتى في لبسه المغربي , وكيف أنه في المنصب حين كان حاجبًا غيره حين كان مبعدًا عنه . . .
لم يقدم ابن خلدون فقهًا , وإنما قدم لنا في مقدمته وتاريخه وعلم العمران ما كان يتمنى أن يحصل عليه من إمارة فلم يوفق في ذلك , لذلك تجدونه يعد العصبية للرجل هي التي تحميه وتوصله إلى المنصب , أي كأنه يقول : لو كنت صاحب عصبية كثيرة لكونت لي إمارة في المغرب .
لقد كان أهله يريدون له الفقه , لكنه تحول إلى السياسة منذ أن كان عمره في الثمانية عشرة سنة , حيث كان حاجبًا لأمير بجاية , ثم نزح إلى المغرب بعد تلك القلاقل والإحن التي حدثت في الأندلس . . .
لست أدري كيف يكون فقيهًا وهو ضالع في السياسة والفلسفة , وعلم الاجتماع , أين كتبه في الفقه ؟ بله أين آراؤه الفقهية التي يعول عليها ؟ ليس هنالك من ذلك شيء البتة ثم البتة , أنقول إن سفيان الثوري فقيه بالجملة ؟ كلا ؛ إنه محدث , كما أحمد بن حنبل محدث , لكن الأتباع ينسبون لعلمائنا ما ليس منهم , أتدرون أن مسند ابن حنبل قد زاد فيه ابنه عبد الله شيئًا كثيرًا , ومنه الضعيف أيضًا ؟ ربما لا تدرون .
آمل أن يكون مقالنا خفيفًا على قلب شيخنا وعلى قلوب المحبين , فالمنبر حواري , وسعيد بمن يخالف رأيي من الأعضاء الكرام .