[| يحيــى فقيـــه |]

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
وقفة تأمل لكنها غريبة من نوعها ، فريدة في موضوعها ، لا تخلوا من طرفة لكنها والله عبرةٌ لكل معتبر في حال عقلاء عصرنا وحال مجانين السلف مع القرآن
فقد أورد الإمام العلامة أبي إسحاق جمال الدين محمدٍ الكتبي رحمه الله في كتابه الماتع (غرر الخصائص الواضحة) فقال: ومن مشاهير مجانين الكوفة البهلول ذو العقل السقيم والذهن المفلول
ثم راح يحكي بعض أخباره استوقفني منها ثلاث حكايات
الأولى : أن البهلول حمل عليه الصبيان وتبعوه يوماً فألجأوه إلى دارٍ مفتوحة فدخلها فوجد أناساً بين أيديهم مائدة عظيمة
فيها من أنواع الأطعمة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، فرجع إلى الباب الذي دخل منه وأغلقه ثم عاد إليهم وهو يقرأ ((( فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب )) ) الحديد: ١٣
الثانية : فقد تبعه الصبيان مرة أخرى فالتجأ إلى دار احد العلويين فدخل داره فرأى صاحب الدار رجلاً ضخماً له ظفيرتي شعرٍ، فقال ( قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) الكهف: ٩٤
الثالثة: سمع البهلول مجنوناً آخر يقول في يوم عيد ({قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ... الآية } )الأعراف: ١٥٨
فقال البهلول على البديهة { فَتَعَـلَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلاَ تَعْجَلْ بالقران مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ..... الآية })طه ١١٤
وقفة تأمل : سبحان ربي هؤلاء مجانين السلف يستظهرون على البديهة مثل هذه المعاني من كتاب الله فكيف بعقلائهم ؟ فكيف بعلمائهم ؟ ثم رجعت إلى عصرنا وقلت ما أعظم البون بيننا وبينهم فنحن بين اثنين إما هاجرٌ لكتاب الله لا يأتيه إلا غيا ، وبين قارئ لا يعي ما يقرأ ، فهل من مشمر لكتاب الله يروي به ظمأ هوا جره؟ ، ويُنير به ظلمات ليله؟ أم أننا كما قال الشاعر :
لا تُعرضنَّ بذكرنا في ذكرهم
ليس الصحيح إذا مشى كالمقعدِ