[القِمطرة]

مَنْ جَرَى على لسَانهِ ذِكْر مُحبّه أكبرهُ في نفسهِ ، فالمحبوبُ للحبيبِ لا يَزالُ لهُ ذاكرًا ، وكَمَا قيل : (ذُلّ الفتَى في الحبِّ مَكرمة). فأُشهدُ اللهَ عَلى مَحَبّتكُم ، وَمودّة المُحبّينَ لنا مِنكُم. لقدْ ظهرَ دَاءٌ بَدا يَستشرِي بَينَ سَوادِ النّاسِ وَعامّتهِم ، فإنْ أبْصَرتَ صَديقاً ، كذّبتَ عَينكَ حَديثهُ إليكَ ، وأنكَرهُ سَمعكَ ، حتى زَاغ بَصركَ.

إيّاكَ إيّاكَ إذْ كنتَ خَليلاً لعَاقلٍ أنْ تُظهر حُبّهُ ، أو تُبينَ لهُ عَيبهُ ، أو تُنقصَ مِن شَأنهِ ، فللهِ كَم رَأينا فِي العَالمينَ مَنْ كَان صَديقاً وفيّاً ، رَائِعَ الصَّداقةِ ، حسنَ الخِصَالِ ، مَحمودَ الذّكْرِ ، ثمّ اسْتَحالَ إلى مَعدُودِ أعدَائكَ الذين يَرقبونَ زلّتكَ ، وَيستحيونَ كَلمتكَ ، وَيذمّون شَخصكَ.

يَقولُ نظّار الصّداقةِ مِن قَبل: (صديقك مخباك) !
فِي سَاعاتٍ يُحسّ المَرءُ أنهُ صَديق وَفي ، فإذا اشتَدَّ الزّمَان بَان خَورهُ ، وَنضحَ مَاؤُهُ المَهين ، فتُحسّ لأجلهِ الناس لاَ يَعمَلونَ إلاّ مِن أجل ثمرة يَرجُونهَا من وَرائكَ ، إنْ مصلحةً فمصلحةٌ ، وإلاّ فلاَ.

إلى الإخوةِ القرّاءِ الكِرَامِ ; انظرْ إلى رُوحكَ التي بينَ جَنبيكَ ، مَاتحمِلُ مِن الحبِّ لخلاّنِكَ وَنُدمَائِكَ؟ ، ثمّ حاسبْهَا مُحاسبة الشّريكِ الشّحيح لشَريكهِ ، وَقوِّمْ فيهَا عَوامِل الصَّداقةِ ، وَأحيي فيهَا سُنّة الحبِّ للمُخلصينَ ، وَإليكَ مِن هذهِ المُقوّمات التي تُعينكَ على مَا ترنُو إليهِ ، ولا تستعجل فيمَا تقرأهُ الثمرةَ:


أولاً ، ابحثْ عن الصِّديقِ المُخلصِ لكَ:
وهذا الصّديق إنْ وَجدتهُ ، فتمسّكَ عليهِ بالنّواجِذِ ، وَلا أظنّكَ تجدهُ فِي هذا الزّمَان البَائسِ ،
وَهذا الأمرُ كثرَ الحَديث عَنهُ ، فسدّدْ فيهِ وَقاربْ.


ثانياً: أظهرْ لهُ طبعكَ:
لاتنسَ أنّ مِن أهمّ عواملِ الصَّداقةِ ، تَجانسُ الطّباعِ وتآلفهَا ، فإنّك لنْ تَرى مَع العَاقلِ أحمق ، ولاَ سَفيه مع كريمٍ ، وَبليد مع حَاذقٍ ، فأرهِ مِن نفسكَ ، حُلوك وَمرّكَ ، وعَلانيتكَ وسِرّكَ ، وحاذرْ أنْ تتصنّعَ أو تتكلّف طباعاً في سبيلِ صَداقة أحَد ، فإنهَا لن تَلبث حُقبة حَتى تنقَلب عَداوة ،وَسُوءَ خِلّة ، فيُعِدُّ ذلك منكَ خيانةً حينَ يَبدو لهُ مَاسعيتَ لإخفَائهِ ، وَإنّ حَالَ غالبِ النّاسِ اليَوم فِي تملّق قَبيح ، يَقولُ عَن نفسِهِ وأهلهِ وصَحبهِ ما يُخيّلُ إليكَ أنهُ صالحٌ لكَ ، فإذا عَرفتَ كنههُ ، تبيَّنَ تلبيسهُ عليكَ.
ثمّ إنّ النفسَ تأنفُ أنْ تتشكّل عِندَ فلانٍ ، وَتظهُر بطبع آخرَ عِند صَديقٍ مُغاير ، إلاّ أن تكونَ نفسًا ضَعيفة إِمّعَة ، وَهذا أقبحُ مَن سَابقهِ.


يُتبَع -إنْ شَاء اللهِ.

القِمَطرُ