الخليّون من الحب يلومون المحبين بمليء أفواههم , ويقطعون عليهم السبيل في كل شيء , لكنهم عبثًا يحاولون , فإن الناظر في أشعارهم وفي كتابتهم يعجب من تجشئها بالكفر البواح , فمن قدمه في النار ولهيبها ليس كما من كانت قدمه خارجها , فلا يستويان مثلاً !
يزع الله في السلطان مالا يزع في القرآن , وخلجات الأنفس حين يتملكها الحب قلما تنظر إلى نهاياتها , فالحب يتغشّاها بكرة وعشية , والعيون الباكية لا يوقف سكيبها سوى قرب الحبيب المفارق , والجروح النازفة لا يطببها سوى نظرة إلى المعشوق ولو لمامًا .
المؤمنون يخشعون عند ذكر آية فيها وعد أو وعيد , رغبة ورهبة من خالقهم , والعاشقون ديدنهم البكاء والتحسر من أوسع أبوابهما , وما لقيت عاشقًا أشد ممن يحاكي حب الله ورسوله بحب من يحب من غيرهما .
على أننا لو تأملنا في الحالتين لوجدنا في كليهما مشاعر جيّاشة , وحبًا مفعمًا صبابة , وولهًا ما له حد , فالمعوّل عليه هاتيك المشاعر حين تنطلق من فؤاد اكتنـز الحب , وقيدته الابتهالات , وأبرحه الوجد , وأسره الفقد هيمانًا وتفكيرًا لا ينقطع .
والحق أنه لا عتب على المرء أن يبتكر له يومًا يعبر فيه عن حبيب معانق , أو عشيق مفارق , فما أخرج أباهم من جنته إلا الحب وليس شيء غيره , فتلكم غريزة يصعب على بني آدم أن يتخلص منها , وإنما يهذبها كما دين الإسلام مثلاً .
ومهما يكن من شيء وأمر ؛ فإن الحضارة إذا جاءت فإنها تأتي بما فيها من أفراح وأتراح , وليس للمرء حيلة في درء مجيئها أو الوقوف في تيارها , فهي تيار جارف لا يوقفه شيء , ولن يفيدنا أخذ ما نريد منها ونبذ مالا نريد , فإنها أقوى من أن نستعيض بغيرها بدلاً , فإن أذواق الناس متباينة , فلولا الأذواق لبارت السلع كما يقال !
المتدينون بما فيهم خطباء مساجد يستنكرون الاحتفاء بعيد الحب , وما دروا أن التيار أكبر منهم , وأن لكل رياح تهب مستفيدين , ولو أننا نكره الناس على أن يكونوا مؤمنين لما زجر الله نبيه ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) !