[مبعد التفكير]

حدثني عامل إحدى الكفتريات قال : أنا أعمل في كفتريا مهترئة في مجمع ورش ( صناعية ) ، تدر عليّ دخلا لا بأس به ، أبيع مختلف أنواع السندوتشات ، معظم زبائني من العمال الأجانب ، و لم يدلف عليَّ في محلي سعوديٌ واحد منذ عدة أشهر ، حتى ظننت أنه محرمٌ عليهم الدخول إلى الكفتريا .. إلى أن جاء ذاك اليوم الذي بدد ظني ، و أكد لي : أن بعض الظن إثم . إذ دخل علي سعودي ( طاق لطمة ) و قد خبأ عينيه بنظارة سوداء .. أخذ يدور في المحل دون أن ينبس ببنت شفة .. و كأنه يتفقد المحل ، ثم هاجمني بهذا السؤال : كيف الشغل ..؟! قلت : الحمد لله ، كلش زين . قال : كيف مفتشو البلدية معكم ..؟! ترددت قليلا قبل أن أجيب ، و بدا لي أنه أحدهم ، جاء ليعرف رأيي فيهم .. ثم قلت : من أحسن ما يكون ، ناس أكابر ... قاطعني قائلا مبتسما : أريد الحقيقة .. أنا مفتش عليهم لا عليكم . قلت : في الحقيقة .. هم شر من وطئ الحصى .. أناس لا ذمة و لا ضمير .. أفواه تبلع دون حساب .. و مخالفاتٌ قاسية بالباطل .. و حكيت له الكثير من قصصهم المخزية ، غير أني لم أكد أنهي حديثي حتى وجدته قد أماط اللثام عن وجهه و خلع النظارة ثم قال لي : أنا الأمير عبدالمجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة .. جئت لكي أتطمن عليكم .. و لقد هالني ما سمعت .. لذا سعطيك رقمي الخاص ، فإذا أصابك منهم سوء فما عليك إلا لاتصال بي .. و سترى ما يثلج صدرك و يقر عينك .. ثم دس الرقم في يدي و صافحني .. ثم شمر عن ثوبه و ركب دبابا هوندا أحمر .. و انصرف ..!

قال جندي أملط : بينما كنت أحرس البوابة الشمالية لقصر السلام بجدة إذ جاءت سيارة مرسيدس شبح سوداء طويلة ، وقفت بجانبي و أنتظرت أن افتح لها البوابة و أرفع الماصورة لتخرج ، فلم أفتح البوابة .. ضرب السائق بوري محترم خفيض ، فلم أفتح ، زاد القوة ، فلم أفتح .. زاد السائق من قوة المنبه و علقَّ عليه طويلا .. غير أني ( أذن من طين ، و أذن من عجين ) لم أفتح .. عندها نزل زجاج الباب الخلفي للسيارة ، ثم خرجت منه يد كريمة أشارت لي بالمجيئ .. فما كان مني إلا أن تقدمت نحوها .. فكانت المفاجأة ؛ لقد كانت تلك اليد الكريمة يد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد رحمه الله .. أسقط في يدي .. و بدأ الخوف و القلق يسري في جسدي .. غير أني طمأنت نفسي بأنني في ممكلة الإنسانية التي لا تظلم أحدًا ، و في دولة متواضعة جدًا مع المواطنين ، أذا ضربها المواطن على خدها الأيمن أدارت له الخد الأيسر ، و إذا تكلم فيها بكلمة سدت فمه بجزمة . و غرقت في تفكير عميق في محاسن الحكومة التي لا نهاية لها .. و لم أفق من تهويمتي إلا على صوت حانٍ رقيق : ليش يا ولدي ما فتحت الباب .. ليش عطلتنا كل هذا الوقت ..؟ ما هو حرام عليك ؟ .. هئ هئ هئ .. قلت : يا طويل العمر ، أبقاك الله ذخرا للوطن و المواطنين ، ممنوع الخروج بعد الساعة الثانية عشرة ليلاً و الساعة الآن الواحدة .. و لقد حذرني الضابط من أن العقاب الشديد ، و التوقيف الأكيد سيكون جزائي لو خرجت نملة من الباب فما بالك بسيارة ..؟! قال : و النهاية ..؟ قلت : خروج ما فيه .. إلا بأمر من الضابط . قال : لكن أنا الملك ..؟ قت : ولو .. خروج منت خارج إلان يأمرني الضابط .. 0 نزل الملك رحمه الله من السيارة و صافحني و شد على يدي و حياني على تطبيقي الشديد للأوامر .. و إخلاصي لقادتي .. ثم أخذ اسمي .. و عاد إلى قصره .. و في اليوم التالي صدر القرار بترقيتي من ( جندي أملط ) إلى ( رقيب أثول ) !!

و بعد ، هل ولاة الأمر في حاجة إلى خلق هذه الأكاذيب .. و وضع هذه القصص .. و إنتاج تلك الأفلام الهندية ..؟!!

ألا يمكن للمواطن أن يلمس تواضع ولاة الأمر ، و إخلاصهم و تفانيهم في سبيل راحته و سعادته .. بغير تلك الأفلام ..؟

و سؤال للجامية : هل الكذب في سيبل تبييض صفحة ولاة الأمر .. حرام ؟ أم أنه جهاد في سبيل الله .. ؟! و إذا كان جهادا فهل هو فرض كفاية أم فرض عين ..؟!! بمعنى أخر : إذا كذب البربهاري مثلا في سبيل ولاة الأمر .. هل يسقط عني هذا الفرض .. أم أنني ملزم بهذا الجهاد ..؟

تقول العرب : ما يصح إلا الصحيح .. و أقول : ما ارتسم في أذهان الملايين عبر سنين طويلة ، و مواقف كثيرة ، لن تغيره قصة ، و لن يودي به فلم .. مهما كانت الحبكة .. و المواقف السيئة لا تمحوها إلا المواقف الحسنة .. أما القصص و الأفلام .. فلن تزيد إلا من احتقان الشعب و أحتقاره لواضعيها و الموضعة لهم . و السلام .



" منقول "
علشان ماتقولون ما علمتنا ... هه تراه منقول !!

[فارس 7]

متطنز بـ...