|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 75
|
أيها العيدُ عفواً !!
أقبل العيد بحلاوته وسعادته ، أقبل والناس في شوق ولهفة لقدومه ! الكل ينتظر ويترقب ، يستعدون لشراء الجديد ، ويجهزون لحفل العيد ، بسماتهم ظاهرة وضحكاتهم واضحة ،
وأنا معهم كطفل تاه عن أهله ، عيناه قد ملأهما الدمع ، تضجان بكل آهات الفقد والحرمان !! وأنا معهم كمشرد طرد من وطنه وأقصي عن بلده ، قلبه غافل وعقله ذاهل ! وأنا معهم كرجل أعمى لا يدري ما تقع عليه قدماه ! ولا يعلم ما تتحسسه يداه ! يسير ويسير لا يدري متى يصل مداه ! هائمٌ في دنياي ، أتساءل لمن أبث شكواي ! أيها العيد عذراً ! عدت إلي بعد عام ، لا تدري ما فعلت بي الأيام ! ولا ما حلت بي من أوجاع ! أيها العيد رفقاً بصاحبك ، فلقد أصابته آلام ، وأوجعته جراح ! عفواً فلن أكون سعيداً ، ولن أصبح مبتهجاً ! رجوتك أيها العيد السعيد أن تمهلني شهوراً وربما سنوات حتى أشعر بالفرح بك ! وأستبشر بقدومك ! فأنت تعرف أصدقاءك جيداً ، أنا دوماً بك سعيد ، وإليك مشتاق ، أنت كما عودتني تنفض غبار الأسى ، وتزيل ركام الألم ، وتطرد بقايا الحزن . تعود إلينا أيها العيد بيوم جديد وصبح سعيد لكني أيها العيد لست لك اليوم بصديق ولست منك بقريب !! بيني وبينك ألف باع ومليون ذراع ! بيني وبينك بعد المشرقين وطول المغربين ! عيدي السعيد أكرر أسفي ! لأني لن أكون سعيدا بك ولا مسرورا بلقياك ! وأظنك تشعر بإحساسي ، وتحس بهمومي ! فستعذرني حتماً ، ولن تزيدني هماً ! ألمي وحزني طغى على كل سعادة ، وقضى على كل ابتسامة ! عندما تفقد جزءًا منك ، بل أجزاءً ، ستضطر إلى البكاء والنواح طويلاً ، عندما يذهب شيءٌ يمثل روحك دون رجوع ستبقى مكبلاً بالأحزان ، ومقيداً بالآلام . فلا أمل بعودته ، ولا قيمة لانتظاره ! كنت أتأمل ذاك الوجه الندي الطاهر ، فلا أروى أبداً ، كنت أبصر ذلك الوجه المشرق المتلألئ فلا أغمض مللاً ، أمسك تلك اليدين الحانيتين فلا أشبع منهما ! كانت الحياة لي ، وكانت الحنان لدي ، وكانت عنوان سروري وباب سعادتي . فماتت الحياة وفقد الحنان وطمس العنوان وأغلق الباب ! رحلت سريعاً وسافرت بعيداً ، فثقلت أحزاني وتأخرت سعادتي ! هو الموت الذي يهدم كل لذة ، لا نستطيع له ردا ، ولا نقدر عليه حجزا ، يخطف أحبابنا ويغيب أفراحنا ! أخذ الموت أنسي ، وأخفى روحي وقلبي ، عشت معها أكثر من ثلاثين عاماً ، كأنها ثلاثون يوماً ، كانت تداعبني وتقربني كأني ابنها الوحيد ، لم تسمعني يوماً جملة قاسية أو كلمة جارحة أو حرفاً مؤثراً ! كنت أرتمي في أحضانها صغيراً ، وأجلس تحت رجليها كبيراً ، كانت لي صدراً حنونا وملجأً آمناً عندما تصيبني المحن ، وتقف في طريقي الصعاب . ما زلت أتذكر كلماتها ، وأترنم بحكاياتها، وأتغنى بأشعارها ، وأتلذذ بطرائفها ! كانت حكاية أنس لا تنتهي ! ورواية فرح لا تنقضي ! ذهبت والكل ينتظرها ، رحلت والكل مشتاق لعودتها ! لكنا لم نفق أن هذا الذهاب لا رجعة فيه ، وأن ذاك الرحيل لا عودة له ! تحب كل أحد وتسأل عن أي أحد ، تشتاق إلي كثيراً ، وتهتم بي كثيراً . سافرت معي مراراً ، فكانت نعم الصاحب وخير المعين ، لا تطلب محالاً ، بل كانت تحاول أن توفر علي كل ما تستطيع . إذا رأت مسكيناً أكرمته بصدقة تخفيها ، ترحم كل ضعيف ، وتعطف على كل محتاج . أكرمها الله بصفات الرحمة والعطف واللين ، فكانت قريبة من كل قلب ، ترتاح إليها النفوس، وتشتاق إليها القلوب . لها مكانة في قلبي تزن الجبال ، ولها حبٌ في فؤادي لا يوزن بمال ! لحظة قاسية وموقف صعب وشأن مأهول عندما تضع جسماً وروحاً وفؤاداً كنت أنت قطعة منه ، نبت لحمك وتغذى عظمك من أوردته وشرايينه ، في شق من الأرض ، إنه من أشد المواقف عليّ هولاً ، ومن أعظم الأحداث عليّ تأثيراً !! وضعت تحت ذلك الرأس المشرف وتلك الجبين الطاهر أجزاء من لبنات من الطين ! أتساءل كيف تماسكت يداي ! وكيف استوت قدماي ! وأنا أصف أول لبنة فوق رأسها ! لكني لم أستمر طويلا ! خارت قواي وتلاشت شجاعتي وقل بأسي ، لا أكاد أعي ما يدور حولي ، أخرجوني من قبرها ، وأنا مصدق ومكذب ! هل أنا من وضعتها في قبرها وصففت اللبنات فوق لحدها ! إنها لحظات حاسمة عصفت بي ، وأزمات قاتلة وهنت بي، إنه وداعٌ مؤثر وفراق موجع! إنه السفر البعيد والطريق الطويلة ، أعان الله قلبي على الفراق وثبت فؤادي على الانقطاع ! ألجأ إليك رب السموات وأبث إليك شكواي رب الأراضين ، صبرني على فراقها ! وأعني على برها بعد وفاتها ! رب كل شي ء ومليكه ! أنزل في قبرها كل رحمة وانشر في لحدها كل نور وزدها سروراً إلى سرور ، إليك النشور ... |
![]() |
الإشارات المرجعية |
أدوات الموضوع | |
طريقة العرض | |
|
|