[السمو]

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
...
في تمام الرابعة والنصف عصر الخميس الموافق 11 /10 حادثني أبي بموت ذلك
الشيخ الذي شابت لحيته وكانت آخر زيارة زرته فيها في أوسط شهر رمضان .
لم يكن خبر الموت مفاجئ بل كان شبه متوقع ، أو كان منتظر ، فلقد كان الشيخ
لديه سرطان بالدماغ رحمه الله رحمة واسعة ، آمين .
...
لم يأت الشاهد بعدُ
...
في تمام الساعة الثالثة والربع من نفس اليوم تلقيت اتصالاً من الأهل مفاده سرعة الحضور للذهاب
للمشفى ، استغربت من الحديث وخصوصاً الوقت وحيث أني أعلم بعدم وجود حوامل في بيتنا
الشيء الذي زاد تعجبي هو أن أبي وأخواي في البيت خلفتهم فيها قبل أن أذهب إلى سبيلي .
كان الحديث يخبر بأن أخي الأصغر قد حدث له مكروه عبر السيارة أجارنا الله وإياكم ، كعادتي
اتصلت على أخي استفسرت عن الموضوع وعن جدوى حضور النساء إلى المشفى ؛ وكعادته أحالني
إلى أبي الذي أجابني بالإيجاب ، توجهت إلى إسعاف المشفى وجدتهم أمام أخي الذي كان مقيد
اليدين والرجلين ولا حراك فيه سوى صدره الذي يزفر كالمكلوم .
...
للأمانة كان أمام أخي في غرفة الإسعاف رجل ملفوف بملاءة بيضاء يبدو أنه قد مات .
...
لم يأت الشاهد بعد
...
صلينا الفجر في مسجد المشفى بانتظار إدخال أخي إلى العناية المركزة حيث أنه مصاب بكسر في
الجمجمة وارتجاج في المخ ( حالته بسيطة جداً ) عدنا من الصلاة أخبرونا ألا جدوى من الانتظار
فلن يدخل اليوم للعناية وسيكون في الغسعاف لعدم وجود سرير ، زعموا .
...
الشيخ سيصلى عليه بعد الجمعة ونحن في تمام السادسة صباحاً ونحن كالسكارى إن لم نكن إياهم
فكرنا ثم قدرنا أن الراحة مطلب الإنسان أبقينا واحداً عنده وذهبنا نستبق إلى النوم لنودع ذلك
الشيخ بعد صلاة الجمعة وبالفعل كان ماقدرنا وأمر الله كائن ، قمنا قبيل أذان الجمعة أفطرنا
ثم ذهبنا إلى ذلك الجامع الذي أسأل الله أن كما كان معموراً أن يكون عامراً .
...
صلينا الجمعة وقد ازدحم الجامع تماماً كيف لا وهو يحمل غير جنازتنا ( 13 ) جنازة .
ثم لما فرغنا من الجمعة أدينا صلاتنا على ذلك الجسد الذي أسأل الله أن يحرمه على النار
وجميع المسلمين ، لم نبرح كثيراً فقد كان لنا موعداً لن نخلفه ، ذهبنا إليه إكراماً لذلك الجسد
وهي سنة محمدية .
...
بدأوا بالحثي حثوت ثلاث حثيات ثم انصرفت عن الزحام الذي غطّى المكان ، انتظرنا قليلاً
لنعزي أبناءه وإخوانه ومن لهم حق علينا .
...
كان الموقف مخالفاً في هذا اليوم إذا أن أخي يرقد على السرير الأبيض وهذا شيخ كريم قد فقدناه
فالمصيبة مصيبتان ، قصصنا أبناءه قصصاً واحداً تلو الآخر حتى وصلت عند حفيده الذي لم يخطر بخلدي
أن أراه عزيته وأنا في هم وفرح ، هم بالمصيبة وفرح بلقياه .
...
انتظرنا قليلاً حتى بدأ الناس بالانصراف فبقينا ندعوا للميت حتى أراد الحفيد المضي عدت إليه
وسلمت عليه أخرى ثم ودعته وقلت له لعلنا نراك إذا خرجت ، فما زاد أن قال ( لاتنسنا من صالح دعاك )
ثم ركب ذلك الجيب الابيض ومعه ثلاثة من العفاريت وأمامهم جيب أسود فيه عفريت واحد .
...
موطن الشاهد : انصرف الناس بمصيبة فقد ذلك الشيخ الوقور وعدت بثلاثة مصائب :
( أخي ، والشيخ ، وصاحبي ) .
...
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته