بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » واقع الفتوى في وسائل الإعلام المعاصرة ( 1-4 )

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 30-08-2007, 03:10 PM   #1
قاضي المظالم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2006
المشاركات: 30
واقع الفتوى في وسائل الإعلام المعاصرة ( 1-4 )



أولاً / حكم استعمال وسائل الإعلام والاتصال المعاصرة في الاستفتاء:

إذا كان الاستفتاء عما يحتاج إليه المرء في دينه مشروعاً، إما وجوباً وإما استحباباً على ما تقدَّم آنفاً، فما العمل إذا لم يتمكن المستفتي من الوصول إلى المفتي، كما إذا كان في بلدٍ ليس فيها من يصلح للفتيا، لقد بحث الفقهاء هذه المسألة قديماً، وقرروا أنه يلزمه أن يسافر إلى بلد المفتي، ما دام يجد إلى ذلك سبيلاً، قال الخطيب البغدادي: " أول ما يلزم المستفتي إذا نزلت به نازلة؛ أن يطلب المفتي، ليسأله عن حكم نازلته، فإن لم يكن في محلته؛ وجب عليه أن يمضي إلى الموضع الذي يجده فيه، فإن لم يكن ببلده؛ لزمه الرحيل إليه، وإن بعدت داره، فقد رحل غير واحدٍ من السلف في مسألته "(1)اهـ.

وقد قرر أبو عمرو ابن الصلاح لزوم السفر للمستفتي، إذا لم يكن عنده من يفتيه ـ وهذا في رأيي إذا لم يتمكن من استفتائه دون تجشُّم السفر، سواءٌ بالمراسلة، أو بواسطة من ينيبه(2) ـ ثم قال: "على أنَّ بعضَ أصحابنا ذكر أنه إذا شغرت البلدةُ عن المفتين، فلا يحلُّ المقام فيها "(3)، ولهذا قال غيرُ واحدٍ من الفقهاء: " يجبُ لكلِّ مسافةِ قصرٍ مفتٍ، لئلا يُحتَاجَ إلى قطعها "(4)اهـ، أي لئلا يضطر المستفتون إلى قطع هذه المسافة، في حالِ لم يوجد في بلدهم من يصلح للإفتاء، قالوا: ولا يُستغنى بالقاضي عن ا لمفتي " لأن القاضي يُلزِم من وقع إليه عند التنازع، والمفتي يرجع إليه المسلم في جميع أحواله العارضة "(5).

هذا ما كان في العصور المتقدمة، حيث بحث الفقهاء في وسائل الاستفتاء بحسب ما عرفوه من وسائل الاتصال، أما في عصرنا الحاضر فقد استُحْدِثَتْ وسائل للاتصال لم تكن فيما مضى، وصارت لهذه الوسائل من الوثاقة والمصداقية، بحيث اعتُمدت في تبليغ كثيرٍ من الأنباء المهمة، على المستوى الحكومي المحلي والدولي العالمي، ولهذا جرى عمل المسلمين في هذا العصر على توظيف هذه الوسائل في تبليغ الأحكام الدينية، كإشهار دخول رمضان وشوال وذي الحجة، ونحوها.

إنَّ إعمالَ وسائل التقنية الحديثة في قضاء الحاجات الدينية، لهو من أبرز مظاهر الشكر لهذه النعمة العظيمة، التي تعطي للطرفين " فرصة الإيضاح بلا عناء مكاتبة، ونحوها، فكم فيها من توفير الجهد، والوقت، والمال، وتلبية المطلوب بأقصر وقتٍ، ورفع مشقة الذهاب والإياب، بل والسفر لأمورٍ تقضى بواسطة الهاتف ـ وغيره من التقنيات الحديثة ـ، فلله الحمدُ على نِعَمِه "(6).

ثم إنه قد أفادَ أهلُ العلم في هذا العصر من وسائل الإعلام والاتصال المعاصرة، في تبليغ أحكام الشريعة، يبثون بواسطتها فتاويهم وأجوبتهم عن المشكلات، ويعقدون من خلالها برامج التفقيه والدعوة والإرشاد، وأصبح المستفتون يتواردون بأسئلتهم على تلك البرامج، حتى صارت برامج الفتيا في وسائل الإعلام، وبالأخصِّ تلك التي تُبثُّ مباشرةً على الهواء؛ من أوسع البرامج الإعلامية قبولاً لدى الجمهور(7)، وأكثرها نفيراً، ولم تعد الفتيا فيها مجرد سؤال وجواب بين المفتي والمستفتي لا يعدوهما، بل تجاوز الأمر إلى أن أصبح لتلك البرامج من التأثير ما ليس لغيرها من البرامج الإعلامية الأخرى، وصارت وسيلةً لتقرير أحكام الشرع في المسائل العامة(8)، وبيان حكمه في خصوص المسائل المتجددة، والظواهر الاجتماعية المتنوعة، فلا جَرَمَ أن صار الاستفتاء عبر تلك البرامج مما يتأدى به واجب طلب العلم، المذكور في قوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾(9)، وأكثر من ذلك، إذ هو كما تقدم خطابٌ للمستفتي نفسه، ولغيره ممن يحتاج الجواب في المسألة نفسها، وقد عُلم باستقراء تلك البرامج أن الأسئلة الواردة فيها تكون في الغالب مما يحتاجه عامة الناس، فتعالج فيه مشكلات المسائل الموسمية، كأسئلة الصيام والحج ـ على سبيل المثال ـ في وقتهما، أو الأسئلة المتعلقة بالنوازل المعاصرة، كأسئلة المعاملات المالية، التي يُحتاج إليها في الوقت الحاضر، كما إذا افتُتحت مساهمةٌ لشركةٍ ما، واحتاجَ المستفتون إلى بيان حكم الاكتتاب في هذا النوع المعين من الشركات، وهكذا.

ولعل هذا مما يكشف سبب إقبال الناس على برامج الفتيا الفضائية، التي ثبت أنها أكثر البرامج الإعلامية جمهوراً كما تقدم، والمتابع لهذه البرامج، وما يقال عنها ويكتب في الصحف، لا يساوره شكٌّ بأن برامج الإفتاء الإعلامية في القنوات العربية، تُتابع على مستوى رجال الدول ومسؤولي الحكومات المختلفة(10)، ويكون لها أثرها ـ الذي لا يخفى ـ على رسم السياسات والخطط، وصناعة القرارات العامة، فإذا ما قام أهل العلم الثقات على تدبير تلك البرامج، فإنها ستكون من أهم سبل الإصلاح بإذن الله تعالى.

وقديماً ـ أي في مطلع القرن المنصرم ـ صرَّح الشيخ محمد رشيد رضا، بما كان يتوخاه من تدوين فتاويه، ونشرها في مجلة المنار، الواسعة الانتشار آنذاك، إذ كان يقوم على إصدارها، وأنه كان يقصد من وراء ذلك " مقاصد إصلاحية "، فقد كان من جوابه لمن استنكر عليه إحجامه عن إنكار المنكرات التي بدأت تتفشى في الديار المصرية آنذاك، ومنها تبرج النساء وخروجهن سافرات، أن احتجَّ بأنه ينشر في مجلته الفتاوي العامة التي يضطلع هو بتحرير أجوبتها، وفيها ـ كما هي عبارته ـ: " نشرحُ ما يسألُنا عنه القراءُ، من جميعِ الأقطار، من حلِّ المشكلاتِ، والترغيب في الواجباتِ، والترهيب عن المنكراتِ "(11)اهـ.


_________________________
(1) الفقيه والمتفقه (2/375).
(2) هذا الاستثناء المحدد بين الحاصرتين من عندي، ولم يتعرض ابن الصلاح للاستفتاء بالمراسلة أصلاً، لكن لعل مقصوده ما ذكرتُ، وأنه إن تمكن من مخاطبة المفتي بالمراسلة؛ فلا حاجةَ للارتحال إليه إذَن، لأنه يكون من باب تحصيل الحاصل، وهو نوعُ عبث، لا تأتي الشريعةُ بمثله، كما هي العادة المطَّردة في نظائِرِه، ويؤيد هذا فعلُ علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين قال: ( كنتُ رجلاً مذاءً، فأمرت المقداد أن يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله فقال: فيه الوضوء )، [خرجه البخاري برقم (132) (1/61)، واللفظ له، ومسلم برقم (303) (1/247)]، وبوب عليه البخاري فقال: " باب من استحى فأمر غيره بالسؤال "اهـ، والله تعالى أعلم.
(3) أدب الفتوى (52)، وقارن بالمسودة؛ لآل تيمية (491)، كشاف القناع؛ للبهوتي (6/301).
(4) مغني المحتاج؛ للشربيني (4/210)، ونهاية الزين؛ لمحمد بن عمر بن علي نووي الجاوي (362).
(5) الأشباه والنظائر؛ للسيوطي (414).
(6) أدب الهاتف؛ د. بكر بن عبد الله أبو زيد (7)، دار العاصمة، الرياض، ط أولى، 1416هـ، وما بين الحاصرتين زيادة من عندي، يقتضيها المقام.
(7) البرامج الدينية في قنوات التلفزيون الفضائية العربية؛ لمحمد بن علي هندية (274،280)، وانظر أيضاً: الدراسة التي أعدها الباحثان: أحمد الضبيبان، وفهد الماضي، بعنوان: تأثير برامج الإذاعة المسموعة والمرئية على قرية سعودية (روضة سدير)، ص (153)، بحث ماجستير غير منشور، مقدم إلى قسم الإعلام، بكلية الدعوة والإعلام، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، 1403هـ، حيث حصلت البرامج الدينية على نسبة (60.6&#37 من أفراد العينة المبحوثة، متفوقة على سائر البرامج، وكذا الدراسة التي أعدها الباحث: أحمد الدعفس، بعنوان: البرامج المفضلة لدى مشاهدي التلفزيون في المجتمع السعودي (279)، بحث ماجستير غير منشور، مقدم إلى قسم الإعلام، كلية الدعوة والإعلام، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض، 1404هـ، حيث جاءت النسبة (65.3%)، تليها البرامج الأخرى، والدراسة التي أعدها د. عاطف عدلي العبد وزميلته، على أنماط مشاهدة تسع عشرة قناة، من قبل طلبة وطالبات قسم الإعلام بجامعة الإمارات العربية، حيث حصلت البرامج الدينية على نسبة (94%) من النوعية الأولى من برامج تلك القنوات، [القنوات الفضائية؛ د. سيد محمد ساداتي (42،41)]، وأيضاً حصلت البرامج الدينية على نسبة (82.5%) من مشاهدي القناة الفضائية المصرية، [المرجع السابق].
(8) لا يخفى أن المفتي يخبر عن حكم الشرع بحسب ما يظهر له، ومن ثم فقد يصيب وقد يخطئ، لكن حسبُنا أن يستمع الناس إلى وجهةِ نظر تسترشد بالوحي، أما العصمة فقد جعلها الله لرسله ـ عليهم السلام ـ، خصوصاً أن وسائل الإعلام تعجُّ بالأفكار الغريبة، والآراء الشاذة عن جادة الشريعة.
(9) الأنبياء (7).
(10) يقول الدكتور إبراهيم إمام ـ وهو متخصص في الإعلام ـ: "تثبت الدراسات الإعلامية أن المسؤولين في الحكومات المختلفة يتابعون أجهزة الإعلام، ويرسمون خطط مناقشاتهم وأعمالهم، وفقاً للموضوعات الواردة في أجهزة الاتصال الجماهيري، وكأن هذه الأخيرة هي التي تضع لهم جداول أعمالهم "اهـ [الإعلام والاتصال بالجماهير؛ د. إبراهيم إمام (98)، ط ثالثة، 1981م، بواسطة: دور التلفاز في تنمية المجتمع الإسلامي؛ لعواد بن عايد الحازمي (2)، بحث ماجستير غير منشور، مقدم إلى قسم الإعلام، بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1407هـ].
(11) فتاوي محمد رشيد رضا (6/2206)، باختصار يسير.

آخر من قام بالتعديل قاضي المظالم; بتاريخ 30-08-2007 الساعة 03:31 PM.
قاضي المظالم غير متصل  


موضوع مغلق

الإشارات المرجعية

أدوات الموضوع
طريقة العرض

قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 12:47 PM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)