|
|
|
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jun 2007
البلد: في زمن الغربة
المشاركات: 836
|
ميزان الاعتدال / سلمان بن فهد العودة
الاعتدال قيمة إنسانية وشرعية شريفة ، يتفق العقلاء على تطلبها ونشدانها ، والثناء بها على الأفراد والأفكار والمواقف ولم يقع في تاريخ البشر خلاف حقيقي حول أهمية الاعتدال وضرورته ، وإنما يقع الخلف في تحديده وماهيته ، وما يعتبر اعتدالاً وما لا يعتبر ومثله الوسطية فهي تعبير عن التوازن والخيرية والعدل إن إطباق الناس على الثناء على هذا المعنى ؛ لهو دلالة عميقة على جدارته بالبحث والاهتمام ، وعلى أهمية الوصول إلى محددات واضحة لا التباس فيها حول معناه وما يقصد به وابتداءً يجب أن يكون الاعتدال قيمة موضوعية حقيقية نبيلة ، ولا يجوز أن يتحول إلى معنى سلبي ؛ يتسارع الباحثون والكتاب إلى نفيه عن فلان أو فلان ، ولا أن يكون موقعاً جغرافياً ، ليتحدد بحسب ما يأخذه الآخرون من مواقع ، فهذا يمين وهذا يسار وهذا وسط ، ولا أن يكون أداةً لتكريس الأنانية وتمجيد الذات ، فكلنا نقدِّم أنفسنا على أننا نمثل الاعتدال والوسط ، وللآخرين من هذا الشرف بحسب قربهم أو بعدهم منا ! إن هذا يمثل جوراً وعدواناً على القيمة النبيلة التي يفترض أن تحكم الحياة البشرية ، وأن تؤسس للالتزام الشرعي حين نفترض أن الآخرين تجاوزوا الاعتدال ، وعليهم أن يعودوا إلينا ليكونوا معتدلين ؛ فهذا يعني أننا رسّمنا أنفسنا كمعيار لا يحيد ، وهذا خطأ ويدأب قوم على إطلاق مثل هذه التزكيات أو حجبها ؛ تعبيراً عن الرضا أو الغضب ، وهذا خطأ آخر تستطيع أن تبدي موافقتك أو اعتراضك على ما يقوله أو يكتبه هذا أو ذاك ، وعلى هذا الموقف أو الرأي أو المسلك ، وأن تحشد الأدلة المعززة لرؤيتك ، ولا تثريب في هذا بيد أن تَقحّم التصنيف بغير تروٍ ؛ ينمّ عن ضعف لا يجدر بمن يكون من رجال الفكر والعلم والمعرفة حين يكون موقفي صحيحاً وموقف الآخر خطأ ؛ فإن هذا لا يعني فقدان الاعتدال أو الوسطية الوسطية ليست لوناً واحداً ، ولعل افتراض الأحادية في الرأي والموقف لا يتفق مع مبدأ الاعتدال ؛ الذي يقتضي أن يستوعب العديد من المسالك والدروب والمدارس والوجهات والمستويات وهذا مما يومئ إليه كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول في حديث أبي هريرة في البخاري: «سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَىْءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ ، وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا» من الوفاء للمبادئ الصادقة أن تظل متسامية قاصدة ، وأن نؤمن بها طريقاً لا عوج فيه ولا أَمْتَا .. يسعنا ويسع الآخرين غيرنا ممن نتفق معهم حيناً ونختلف معهم حيناً آخر ، وليس اتفاقهم أو خلافهم معنا هو المعنى الأساسي الجوهري الذي يحاكمون إليه ، فنحن وهم نحتكم إلى أصول وقواعد ومبادئ مشتركة في تقرير (راند) لهذا العام نعي على (الوسطية الإسلامية) التي لا تتفق والمعايير الأمريكية ، وهو يحدد الاعتدال بضرورة سؤال أدعيائه عن موقفهم من الردة عن الإسلام ، ومن الزواج المثلي ، ومن المساواة المطلَقة بين الرجل والمرأة ، ومن شرب الخمر ! هذه معايير الاعتدال وموازينه لدى معدي التقرير هي معايير مرفوضة لأنها معايير سياسية ، ومرفوضة لأنها تعتمد على مرجعية غير إسلامية أصلاً ، فهي تقيّم المسلم وفق اعتبارات لا علاقة لها بالإسلام لكن من الصدق أن نقول: إن الكثير منا ، إسلاميين أو ليبراليين ، مفكرين أو سياسيين ، نحاكم الآخرين وفق رؤيتنا الخاصة ، وندمغهم بمجافاة الاعتدال إذا لم يعجبونا ! هذا ليس شيئاً أكثر من التعصب والإعجاب بالنفس ليكن الاعتدال قيمة سامية نحاولها جميعاً ، ونصمد إليها ونقترب منها ، وليس (طابعاً بريدياً) نلصقه بمن نشاء وننزعه عمن نشاء ، كما حكى ربنا عن أهل الكتاب: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ )) لنحاول أن نقيس قدر الاعتدال في عقولنا وأفكارنا ولغتنا ، بدلاً من قياس بُعِد خصومنا عن الاعتدال سلمان بن فهد العودة
__________________
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(سيأتي على الناس سنوات خداعات : يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون الأمين ، وينطق فيها الرويبضة . قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) صحيح الجامع ( 3650 ) |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|