بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » معرفة آداب المحدث

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 09-05-2008, 04:07 PM   #1
شمال الدنيا
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2007
البلد: القصيم بريدة
المشاركات: 77
معرفة آداب المحدث

معرفة آداب المحدث
وقد مضى طرف منها اقتضته الأنواع التي قبله .
علم الحديث علم شريف ، يناسب مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، وينافر مساوئ الأخلاق ومشاين الشيم ، وهو من علوم الآخرة لا من علوم الدنيا . فمن أراد التصدي لإسماع الحديث ، أو لإفادة شيء من علومه ، فليقدم تصحيح النية وإخلاصها ، وليطهر قلبه من الأغراض الدنيوية وأدناسها ، وليحذر بلية حب الرياسة ورعوناتها .
وقد اختلف في السن الذي إذا بلغه استحب له التصدي لإسماع الحديث والانتصاب لروايته . والذي نقوله : إنه متى احتيج إلى ما عنده استحب له التصدي لروايته ونشره ، في أي سن كان . وروينا عن القاضي الفاضل أبي محمد بن خلاد رحمه الله أنه قال : الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر ، في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث هو : أن يستوفي الخمسين ، لأنها انتهاء الكهولة ، وفيها مجتمع الأشد . قال سحيم بن وثيل :
أخو خمسين مجتمع أشدي * ونجذني مداورة الشئون .
قال : وليس بمنكر أن يحدث عند استيفاء الأربعين ، لأنها حد الاستواء ومنتهى الكمال ، نبئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن أربعين ، وفي الأربعين تتناهى عزيمة الإنسان وقوته ، ويتوفر عقله ، ويجود رأيه .
وأنكر القاضي عياض ذلك على ابن خلاد وقال : كم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين ، من لم ينته إلى هذا السن ومات قبله ، وقد نشر من الحديث والعلم ما لا يحصى هذا عمر بن عبد العزيز توفي ولم يكمل الأربعين .
و سعيد بن جبير لم يبلغ الخمسين . وكذلك إبراهيم النخعي .
وهذا مالك بن أنس جلس للناس ابن نيف وعشرين ، وقيل : ابن سبع عشرة والناس متوافرون ، وشيوخه أحياء . وكذلك محمد بن إدريس الشافعي : قد أخذ عنه العلم في سن الحداثة ، وانتصب لذلك . والله أعلم .
قلت : ما ذكره ابن خلاد غير مستنكر ، وهو محمول على أنه قاله : فيمن يتصدى للتحديث ابتداء من نفسه ، من غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكره . فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور ، فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده . وأما الذين ذكرهم عياض ممن حدث قبل ذلك : فالظاهر أن ذلك لبراعة منهم في العلم تقدمت ، ظهر لهم معها الاحتياج إليهم فحدثوا قبل ذلك ، أو لأنهم سئلوا ذلك إما بصريح السؤال وإما بقرينة الحال .
وأما السن الذي إذا بلغه المحدث انبغى له الإمساك عن التحديث : فهو السن الذي يخشى عليه فيه من الهرم والخرف ، ويخاف عليه فيه أن يخلط ويروي ما ليس من حديثه ، والناس في بلوغ هذه السن يتفاوتون بحسب اختلاف أحوالهم . وهكذا إذا عمي وخاف أن يدخل عليه ما ليس من حديثه ، فليمسك عن الرواية .
وقال ابن خلاد : أعجب إلي أن يمسك في الثمانين ، لأنه حد الهرم ، فإن كان عقله ثابتا ورأيه مجتمعا ، يعرف حديثه ويقوم به ، وتحرى أن يحدث احتسابا رجوت له خيرا .
ووجه ما قاله : أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب ، وخيف عليه الاختلال والإخلال ، أو أن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط ، كما اتفق لغير واحد من الثقات ، منهم عبد الرزاق وسعيد بن أبي عروة .
وقد حدث خلق بعد مجاوزة هذا السن ، فساعدهم التوفيق وصحبتهم السلامة ، منهم : أنس بن مالك وسهل بن سعد وعبد الله بن أبي أوفى من الصحابة ، ومالك ، والليث ، وابن عيينة ، وعلي بن الجعد ، في عدد جم من المتقدمين والمتأخرين . وفيهم ، غير واحد حدثوا بعد استيفاء مائة سنة ، منهم : الحسن بن عرفة ، وأبو القاسم البغوي وأبو إسحاق العجيمي والقاضي أبو الطيب الطبري رضي الله عنهم أجمعين ، والله أعلم .
ثم إنه لا ينبغي للمحدث أن يحدث بحضرة من هو أولى منه بذلك . وكان إبراهيم والشعبي إذا اجتمعا لم يتكلم إبراهيم بشيء . وزاد بعضهم : فكره الرواية ببلد فيه من المحدثين من هو أولى منه ، لسنه أو لغير ذلك .
روينا عن يحيى بن معين قال : إذا حدثت في بلد فيه مثل أبي مسهر فيجب للحيتي أن تحلق . وعنه أيضا : إن الذي يحدث بالبلدة - وفيها من هو أولى بالتحديث منه - فهو أحمق .
وينبغي للمحدث - إذا التمس منه ما يعلمه عند غيره ، في بلده أو غيره ، بإسناد أعلى من إسناده أو أرجح من وجه آخر - أن يعلم الطالب به ويرشده إليه ، فإن الدين النصيحة .
ولا يمتنع من تحديث أحد لكونه غير صحيح النية فيه ، فإنه يرجى له حصول النية من بعد .
روينا عن معمر قال : كان يقال : إن الرجل ليطلب العلم لغير الله ، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله عز وجل .
وليكن حريصا على نشره ، مبتغيا جزيل أجره . وقد كان في السلف رضي الله عنهم من يتألف الناس على حديثه ، منهم عروة بن الزبير رضي الله عنهما .
وليقتد بمالك رضي الله عنه : فيما أخبرناه أبو القاسم الفراوي بنيسابور : أخبرنا أبو المعالي الفارسي : أخبرنا أبو بكر البيهقي الحافظ قال : أنبأنا أبو عبد الله الحافظ قال : أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني ، حدثنا جدي : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال : كان مالك بن أنس إذا أراد أن يحدث توضأ ، وجلس على صدر فراشه ، وسرح لحيته ، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة ، وحدث . فقيل له في ذلك . فقال : أحب أن أعظم حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا أحدث إلا على طهارة متمكنا .
وكان يكره أن يحدث في الطريق ، أو هو قائم ، أو يستعجل . وقال : أحب أن أتفهم ما أحدث به عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
وروي أيضا عنه أنه كان يغتسل لذلك ويتبخر ويتطيب ، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زبره وقال : قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فمن رفع صوته عند حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكأنما رفع صوته فوق صوت رسول الله .
وروينا - أو : بلغنا - عن محمد بن أحمد بن عبد الله الفقيه أنه قال : القارئ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام لأحد فإنه تكتب عليه خطيئة .
ويستحب له مع أهل مجلسه ما ورد عن حبيب بن أبي ثابت أنه قال : إن من السنة إذا حدث الرجل القوم أن يقبل عليهم جميعا ، والله أعلم .
ولا يسرد الحديث سردا يمنع السامع من إدراك بعضه ، وليفتتح مجلسه وليختتمه بذكر ودعاء يليق بالحال . ومن أبلغ ما يفتتحه به أن يقول : الحمد لله رب العالمين ، أكمل الحمد على كل حال . والصلاة والسلام الأتمان ، على سيد المرسلين ، كلما ذكره الذاكرون ، وكلما غفل عن ذكره الغافلون . اللهم صل عليه وعلى آله وسائر النبيين وآل كل ، وسائر الصالحين ، نهاية ما ينبغي أن يسأله السائلون
ويستحب للمحدث العارف عقد مجلس لإملاء الحديث ، فإنه من أعلى مراتب الراوين ، والسماع فيه من أحسن وجوه التحمل وأقواها ، وليتخذ مستمليا يبلغ عنه إذا كثر الجمع ، فذلك دأب أكابر المحدثين المتصدين لمثل ذلك .
وممن روي عنه ذلك : مالك وشعبة ووكيع وأبو عاصم ويزيد بن هارون ، في عدد كثير من الأعلام السالفين .
وليكن مستمليه محصلا متيقظا ، كيلا يقع في مثل ما روينا : أن يزيد بن هارون سئل عن حديث ، فقال : حدثنا به عدة ، فصاح به مستمليه : يا أبا خالد ! عدة ابن من ؟ فقال له : عدة ابن فقدتك . وليستمل على موضع مرتفع من كرسي أو نحوه ، فإن لم يجد استملى قائما . وعليه أن يتبع لفظ المحدث ، فيؤديه على وجهه من غير خلاف . والفائدة في استملاء المستملي : توصل من يسمع لفظ المملي على بعد منه ، إلى تفهمه وتحققه بإبلاغ المستملي .
وأما من لم يسمع إلا لفظ المستملي : فليس يستفيد بذلك جواز روايته لذلك عن المملي مطلقا ، من غير بيان الحال فيه . وفي هذا كلام قد تقدم في النوع الرابع والعشرين .
ويستحب افتتاح المجلس بقراءة قارئ لشيء من القرآن العظيم . فإذا فرغ استنصت المستملي أهل المجلس إن كان فيه لغط ، ثم يبسمل ويحمد الله تبارك وتعالى ، ويصلي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويتحرى الأبلغ في ذلك ، ثم يقبل على المحدث ويقول : من ذكرت أو ما ذكرت رحمك الله أو غفر الله لك أو نحو ذلك .
وكل ما انتهى إلى ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى عليه ، وذكر الخطيب أنه يرفع صوته بذلك ، وإذا انتهى إلى ذكر الصحابي قال رضي الله عنه .
ويحسن بالمحدث الثناء على شيخه في حالة الرواية عنه بما هو أهل له ، فقد فعل ذلك غير واحد من السلف والعلماء ، كما روي عن عطاء بن أبي رباح : أنه كان إذا حدث عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حدثني البحر وعن وكيع : أنه قال حدثنا سفيان أمير المؤمنين في الحديث .
وأهم من ذلك الدعاء له عند ذكره ، فلا يغفلن عنه .
ولا بأس بذكر من يروي عنه بما يعرف به من لقب ، كغندر لقب محمد بن جعفر صاحب شعبة ولوين لقب محمد بن سليمان المصيصي . أو نسبة إلى أم عرف بها ، كيعلى ابن منية الصحابي وهو ابن أمية ، ومنية أمه ، وقيل : جدته أم أبيه .
أو وصف بصفة نقص في جسده عرف بها ، كسليمان الأعمش ، وعاصم الأحول . إلا ما يكرهه من ذلك ، كما في إسماعيل بن إبراهيم ، المعروف بابن علية ، وهي أمه ، وقيل : أم أمه . روينا عن يحيى بن معين أنه كان يقول حدثنا إسماعيل ابن علية فنهاه أحمد بن حنبل ، وقال : قل إسماعيل بن إبراهيم فإنه بلغني أنه كان يكره أن ينسب إلى أمه ، فقال : قد قبلنا منك يا معلم الخير .
وقد استحب للمملي أن يجمع في إملائه بين الرواية عن جماعة من شيوخه ، مقدما للأعلى إسنادا أو الأولى من وجه آخر . ويملي عن كل شيخ منهم حديثا واحدا ، ويختار ما علا سنده وقصر متنه ، فإنه أحسن وأليق . وينتقي ما يمليه ويتحرى المستفاد منه ، وينبه على ما فيه من فائدة وعلو وفضيلة . ويتجنب ما لا تحتمله عقول الحاضرين ، وما يخشى فيه من دخول الوهم عليهم في فهمه .
وكان من عادة غير واحد من المذكورين ختم الإملاء بشيء من الحكايات والنوادر والإنشادات بأسانيدها ، وذلك حسن ، والله أعلم .
وإذا قصر المحدث عن تخريج ما يمليه ، فاستعان ببعض حفاظ وقته ، فخرج له ، فلا بأس بذلك .
قال الخطيب : كان جماعة من شيوخنا يفعلون ذلك .
وإذا نجز الإملاء فلا غناء عن مقابلته ، وإتقانه وإصلاح ما فسد منه بزيغ القلم وطغيانه .
هذه عيون من آداب المحدث ، اجتزأنا بها معرضين عن التطويل بما ليس من مهماتها ، أو هو ظاهر ليس من مشتبهاتها ، والله الموفق والمعين ، وهو أعلم .
شمال الدنيا غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 04:51 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)