|
|
|
|
||
ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول |
|
أدوات الموضوع | طريقة العرض |
![]() |
#1 |
عـضـو
تاريخ التسجيل: May 2008
البلد: الدمام
المشاركات: 48
|
هذا مَا حَصَلَ في مسجدِ القطامي قبلَ سنةٍ؟ وهذا ما حَصَلَ قبلَ اسبوعٍ!
قَبْلَ عَامٍ من اليومِ ذَهَبْتُ قَاصِداً جَامِعَ القاضي بِالرياض، للصلاةِ خلفَ الشيخِ الموفق ناصرٌ بنُ علي القطامي - وفقهُ الله- كَانتْ هيَ المرةُ الأولى التي أصليها فيها عِنْدَ الشيخِ، ذَهبتُ أسابقُ الريحَ، اعجبتُ بمنى الجَامِع الكبير، و اعجبني أكثر منظرُ السياراتِ من حولهِ، هذهِ من السعودية وتلكَ من قطر وتِه مِن الكُويت وذه من عُمَان..
دَخلتُ المسجِدَ وهو يَعُجُّ بَتِلاَوةِ المصلينَ، ولهم هَديرٌ كَهَدِيرِ البحرِ في تَلاَطُمِهِ، وأرى المَسجِدَ قد غصَ بالناسِ فاتَصَلوا و تلاحموا، تَجِدُ الصفَّ منهم عَلَى استوائهِ كَمَا تَجِدُ السطرَ في الكِتَابِ، ممدوداً مُحتَبِكَاً ينتَظِمَهُ وضْعٌ واحِدٌ، وأراهم تتَابعوا صفاً وَرَاء صفٍ، ونسقاً عَلَى نَسَق، فَالمسجِدُ بهم كَالسُبُلَةِ مُلئِت حبّاً ما بينَ أوّلِهَا وآخِرِها. وَ أقِفُ مُتَحَيراً مُتَردِدَاً مُتَلَدِّداً، ألتفتُ يمناً وشِمالاً، طَامِعَاً إلى موضِعاً أجلسُ فيهِ؛ ثمَ أمضي أتخطَّى الرِقَابَ أطمعُ في فُرْجَةٍ أقتَحِمُها، حتى إذا انتَهيتُ إلى الصفِ الأولِ، إذ دَخَلَ شَابٌ يَكَادُ النورُ ينفجرُ من وجههِ،و لو سَطَعَ نورُ القَمَرِ من شيءٍ لسَطَعَ من وجههِ، دخلَ الشيخ مُطَأطِاً رأسهُ متذلِلاً لربهِ سبحانهُ وتعالى، في هيئةٍ مِن الإزراءِ بالنفسِ، تَكَادُ تأخذُ القلوبَ و تأسِرُ العقول، دخَلَ هذا الشابُ مِنْ بَابِ المحرَابِ، وما إن دَخَلَ حتى قَامَ المصلونَ قيامَ رَجُلٍ واحدٍ في مشهدٍ يُذكرنا بقولهِ صَلَى اللهُ عليهِ وسلم ( إن اللهَ يرفعُ بهذا القرآن أقواما...) ثمَ أقيمتِ الصلاةُ وكبرَ الشيخُ الشاب... لما رأيتُ ذَلِكَ الموقِف ذَكرتُ سَفِينَةَ نوحٍ!! سُبحَان الله كأن الجامعُ سفينةً والمصلون رُكَابها، والشيخُ الشاب قائدها. كبرَ ولما كبَّرَ قَادَ قلبي ينخَلِعُ من مَكَانهِ إنها تكبيرةٌ خَارِجَةٌ من رَجُلٍ يُعَظِمُ ربهُ حق التعظيم (ولا نزكيه).. بدأ الشيخُ في تلاوةِ القرآن، بِخُشُوعٍ وَتَبَتلٍ، تقرأ في ثَنَايا تِلاوتهِ الهيبةُ والخوفُ من خالِقهِ سبحانهُ، وتسري إلى نفسكَ الطمَأنينةُ والسكينة، قرأ الشيخُ من آواخرِ سورةٍ الزمر، وبكى بكاءً حاراً، كَاد يقلبي يقع معَ كلٍ آيةٍ يقرأها الشيخ، وكَانَ بجانبي رجلٌ كنتُ مُلتَصِقاً لهُ مُنَاكِباً لهُ؛ كان يبكي وينتَفِضُ انتفَاضةً رجَّتني مَعَهُ رَجّاً، بدأ المسجدُ يضجُ بِبُكاءِ المصلينَ، أحسستُ أن المسجدَ يبكي وينتَفِضُ معهم وكأنهُ قِطَارٌ يجرِي بِنَا في سُرعَةِ السَحَابِ، فكلُ مَافيهِ يرتجُ ويهتزّ، يستوي الجميعُ في هذا المسجدِ استواءً واحِداً، يَقِفونَ موقِفاً واحداً، يبكونَ بكاءً واحداً، يخشعونَ خشوعاً واحداً.. عَرفتُ واللهِ من معنى المسجدِ مالم أعرف، حتَى كأني لم أدخلهُ مِنْ قبل، انكَشَفَ لي المسجِدُ في نورهِ الروحيّ عن مَعَانٍ عِدَةٍ أدخَلتني مِنَ الدُنْيا في دُنياً عَلَى حِدَةٍ. فما المسجدُ بِنَاءٌ كَغيرهِ ، بل هو تصحيحٌ للعالمِ الذي يَمُوجُ من حولهِ و يضظَرب.. لما قُضيتِ الصلاةُ و انفَتَلَ الجميعُ منها، واقبلَ الشيخُ الشابُ بوجههِ عَلَى المصلينَ متَبَعَاً سُنَةَ رسولِ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم، وَجَعلتُ أحدقُ فيهِ النظر، رأيتُ وجههُ يتلألأُ نوراً وكأن هُنَاكَ مصباحٌ يشتَعَلٌ في جَبِينهِ، لقد كان لتِلكَ الليلة أثراً عظيماً في نفسي، و مع أنهُ مضى عليها أكثرُ من سنة، لكن أثرها باقٍ وكأنها وقَعتْ بالإمسِ القريب... مرتِ الأيامُ متتابعةً، قرأتُ مثلَ ما قرأ غيري عن خَبَرِ منعِ الشيخ الشاب من الإمامةِ في مسجدهِ، انطلقتُ إلى جَامعِ القاضي حتى أتأكدُ بنفسي... واللهِ لقدَ كانَ الحيُ مظلماً معتماً، وكأنهُ يبكي عَلى فراقِ ذلكَ الشيخ الشاب، رأيتُ الشوارع المحيطةُ بالجَامع لا تَكَادُ تَجِدُ فيها سيارةً... يالله أين ذَهبَ المصلونَ، دخلتُ المسجدَ وكان مغلقاً إلا الربع الأخيرَ منه،لم أجد فيهِ إلا صفاً واحداً فقط، كنتُ منصدماً أينَ اختفت تيكَ الجموع الغَفيرة، صلنا بنا أحدهم، وكَانَ عددُ المصلينَ سطراً ونصفهُ فقط.. بعدَ الصلاةِ تَوجهتُ إلى شيخٍ كَبيرٍ في السنِ هرم...!! سألتهُ: باللهِ عليكَ أخبرني أين الشيخُ الشاب وأين جموعُ المصلين؟؟ حَاوَلَ في البِدَايةِ كتمَ دموعهِ ولكنها طَغَتْ عَليهِ، و ظَهَرَ عليهِ الأنكسارُ في وجههِ يعبِّرُ بِبَلاَغةٍ أنهُ قد أحسَ حقيقةَ ضعفهِ بإزاءِ المصيبةِ التي نَزَلتْ بهِ وبجيران جَامعِ القاضي، جَلَسَ مستسلمِاً تُتَرجِمُ هيئتهُ مَعَانيَ هَذِهِ الكلمة.... (رفقاً بي ) بدأتْ عيناهُ تَطِيرُ في الهواءِ، كأنمَا يحسُ أن تلكَ الجموع حولهُ في الجوّ ولكنهُ لا يراها!! ثم يُرخي عينيهِ في إغماضةٍ خَفِيفَةٍ، كأنما يرجو أن يُحَاولُ أن يرى الشيخَ إماماً لتلكَ الجموع وكأنهُ قائداً لسفينةِ أهل الإيمان..!! لا يصدقُ أنهُ فقدَ ذلكَ الشيخَ الشاب، فإن صوتهُ وهو يَتَغنى بالقرآن لايزالُ لهُ دويٌ في الحي..!! ودويٌ في أذنهِ..!! عَادَ إلى وجههِ الانكِسارُ والاستسلامُ، تململَ ، فَنَطَقَ جسمهُ كلهُ بهذهِ الكلمة ( ياولدي الله يحرم من حرمنا من الشيخ ...) يالله، لقد لَبِستِ المسكنةُ هذا العجوزَ الكبير، لأن لهُ شيئاً عَزيزاً أصبحَ وراء الزمانِ فلن يصلَ إليهِ..!! لَبِستهُ المسكنةُ، لأنه صَارَ وحدهُ في هذا المَكَان، بعدَ أن كانَ يعجُ بالمصلين..!! ارستمَ عَلَى وجههِ التعجبَ، كأنهُ يسألُ نفسهُ ..(هل يعقل أن يمنع الشيخ من الإمامةِ بسبِ كثرةِ الزحام عنده...) تَغَرْغَرَتْ عيناهُ بالدموعِ فيخرجُ منديلَهُ، ويمسَحُ دموعهُ التي لم يستطع امساكها..! مَضيتُ عَلَى وجهيَ تتَقَاذفني البَقَاعُ والأمكنةُ، وأنا أعاني الأرضَ والسماء، وأخشى الليلَ والنهار، وأكابدُ الألم والحزن، وأحاول أن امسكَ دموعي.!! دَخلتُ البيتَ دخولَ البعيرِ الرازحِ قَطَعَ الصحراءَ تأكلُ منهُ ولا يأكلُ منها، فأنضاهُ السفر وحَسَرَهُ الكَلالُ ونَحتَهُ الثقَلُ الذي يحملهُ، فَجَاءَ بوجهٍِ غيرَ الذي خَرَجَ بهِ.. جعَلتني هذه الحادثةُ أوقن أن هناكَ أناساً أحبهم اللهُ سبحانهُ وتعالى، فَوَضَعَ لهم القبولَ في الأرض.. نسألهُ سبحانهُ أن يجعلَ الشيخ الشاب ناصراً القطامي منهم.. هنا أناشدكَ اللهَ يا من قرأت هذهِ الأسطر: أن تدعوا ربكَ سبحَانهُ أن يغِفرَ ويرحمَ كاتِبَ هذهِ السطور، وأن يعجلَ بعودةٍ الشيخ ناصراً إلى مسجدهِ عاجلاً غير آجل.. هذهِ بعض الصور لصلاةِ التراويح من جَامعِ القاضي بالرياض ![]() ![]() ![]() اللهمَ هَذِهِ نَفَثَاتُ مصدور ، وأناتُ مكلومٍ .... سلامٌ عليكم رَقَمَهُ اخوكم / محمد الحريص |
![]() |
الإشارات المرجعية |
|
|