بريدة






عـودة للخلف بريدة ستي » بريدة ستي » ســاحـة مــفــتــوحـــة » الوجة المشرق للأزمات كيف نراه !؟ (1)

ســاحـة مــفــتــوحـــة المواضيع الجادة ، والنقاشات الهادفة -- يمنع المنقول

 
 
أدوات الموضوع طريقة العرض
قديم(ـة) 18-01-2009, 05:45 PM   #1
dordm
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 69
الوجة المشرق للأزمات كيف نراه !؟ (1)

مقال هذا الأسبوع لفضيلة الشيخ الدكتور إبراهيم بن عبدالله الدويش بعنوان

الوجه المشرق للأزمات كيف نراه ؟!(1)

هل نستطيع كأمة عربية وإسلامية أن نسعى ونتحرك لكيفية توظيف الفتن والأزمات خاصة بعدما تحل بساحتنا، وتنيخ مطاياها ببابنا، توظيفًا إيجابيًّا نرى من خلاله الوجه المشرق لها، والذي لا شك أنه سيعيننا على الاستثمار الأمثل لها، وربما قلبها إلى منح وعطايا بعد أن كانت محنًا وبلايا.
إن العاقل لا يستسلم للأزمات والحوادث الأليمة، ولا يرضخ لها، وإن تجرع مرارتها طبعًا، بل ينظر إليها النظرة الإيمانية التي تعينه على الصبر والرضا، ومن ثم البحث عن الوجوه المشرقة والفوائد التي تعود منها. وهذه النظرة الإيجابية هي التي تولد الأمل الذي هو أمنع قوة دافعة لحياة أفضل، ونافذة نطل منها إلى غد مشرق، وللأمل منافذ كثيرة وأبواب عديدة؛ وكما يقول المثل: حينما يغلق أمامك باب الأمل لا تتوقف لتبكي أمامه طويلاً؛ لأنه في هذه اللحظة انفتح خلفك ألف باب تنتظر أن تلتفت لها. ويقول الحكماء: ليس الذكي الفطن هو من يحقق الربح أكثر، بل هو الذي يحول خسائره إلى أرباح ومكاسب، وفشله إلى نجاح باهر، فيولِّد الأرباح والنجاح من رحم الخسائر والفشل، لأن الفشل في نظره ليس إلا خطوة أولى في درب النجاح، ويكاد يكون لزامًا على أي شخص ناجح متفوق متألق أن يمر بسلسلة من الفشل في بداية مشواره. وهكذا ينبغي أن تكون نظرة المؤمن إلى الأزمات والمحن والشدائد غير مقتصرة إلى الجانب المظلم فقط، بل عليه أن يبحث عن الوجوه المشرقة فيها، وألا يقتصر موقفه منها في حدود الصبر عليها وتحملها..، بل عليه أن يحولها إلى منح وعطايا بإبراز المشرق منها، وتوظفيها في شتى المجالات، حتى يعيش حياة سعيدة مطمئنة، وإن لم يفعل فقد يصبح فريسة سهلة لمرض الاكتئاب الذي يجتاح العالم بأسره، وما أجمل قول إيليا أبي ماضي
:

كُنْ بَلْسَمًا إِنْ صَارَ دَهْرُكَ أَرْقَمًا ..... وَحَلَاوَةً إِنْ صَارَ غَيْرُكَ عَلْقَمًا

إِنَّ الْحَيَاةَ حَبَتْكَ كُلَّ كُنُـوْزِهَا ..... لَا تَبْخَلَنَّ عَلَى الْحَيَاةِ بِبَعْضِ مَا
مَـنْ ذَا يُكَافِئُ زَهْرَةً فَوَّاحَةً ؟..... أَوْ مَنْ يُثِيْبُ الْبُلْبُلَ الْـمُتَرَنِّمَا ؟
لَو لَمْ تَفُحْ هَذِي، وَهَذَا مَا شَدَا ..... عَاشَتْ مُذَمَّمَةً وَعَاشَ مُذَمَّـمَا
أَيْقِـظْ شُعُورَكَ بِالْمَحَبَّةِ إِنْ غَفَا ..... لَولَا الشُّعُورُ النَّاسُ كَانُوا كَالدُّمَى
أَحْبِبْ فَيَغْدُو الْكُوخُ قَصْرًا نَيِّرًا ..... وَأَبْغِضْ فَيُمْسِي الْكَوْنُ سِجْنًا مُظْلِمَا
لَو تَعْشَقُ البَيْدَاءُ أَصْبَحَ رَمْلُهَا زَهْرًا ..... وَصَـارَ سَرَابُهَا الـخَدَّاعُ مَا
وَالْهَ بِوَرْدِ الرَّوْضِ عَنْ أَشْوَاكِهِ ..... وَانْسَ العَقَارِبَ إِنْ رَأَيْتَ الأَنْجُمَا

فالكشف عن الوجوه المشرقة للأزمات والشدائد تربية ربانية، وتوجيه إلهي؛ كما قال تعالى: فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء 19] ، وكما قال سبحانه: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة 216]. تأمل وتفكر - مثلاً - في قصة الإفك رغم فظاعتها وشناعتها وما تركته في نفس النبي  وعائشة - رضي الله عنها - ووالديها والمؤمنين عمومًا من آلام وأوجاع..! ومع هذا كله يعلِّمنا القرآن ألا نحسبها شرًّا، بل فيها خير لمن تدبرها وأمعن النظر فيها، قال تعالى: لاَ تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ [النور 11]. وإمامنا وأسوتنا في هذا "فن البحث عن الأوجه المشرقة في الأزمات والمحن" هو المربي الأول رسولنا وحبيبنا محمد ، تأمل كيف كان يقابل الشدائد والمحن؟ لم تفت في عضده الأزمات، ولم تكدر حياته الملمات، فقد أصابه ما يصيب كل من يعيش في هذه الحياة الدنيا، فماتت زوجته الحبيبة خديجة - رضي الله عنها - في حياته، ولاقى ما لاقى من الكفار والمشركين، بل ومن ذويه وأهل قرابته، واستشهد عمه حمزة  في أُحد ومُثِّل به، وعُذِّب أصحابه في مكة، فمنهم من قُتل ومنهم من هُجِّر وشُرِّد، ومات أولاده كلهم في حياته  إلا فاطمة - رضي الله عنهم جميعًا - حيث عاشت بعده  ستة أشهر، واتهم في عرضه الشريف، وأصيب في غزواته، وغير ذلك من المصائب، كل ذلك لم يكدر حياته ، وما مسح السرور والتهلل من سبحات وجهه، ولم يشغله من النظر إلى الوجه المشرق للأزمات، ولم يحجب عنه تفاؤله الدائم الذي كان سمة بارزة فيه، فكان يبتسم ويحفظ توازنه في الشدة والرخاء، إذًا فلنقتد بالحبيب  أيها الحبيب، لأن الحزن والألم لم يكن يوم ما صانعًا للمجد، وبانيًا لمستقبل مشرق...
.(يتيع) .


د. إبراهيم بن عبد الله الدويش
dordm غير متصل  


 

الإشارات المرجعية


قوانين المشاركة
لا يمكنك إضافة مواضيع
لا يمكنك إضافة ردود
لا يمكنك إضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

رمز [IMG] متاح
رموز HTML مغلق

انتقل إلى


الساعة الآن +4: 07:56 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd

المنشور في بريدة ستي يعبر عن رأي كاتبها فقط
(RSS)-(RSS 2.0)-(XML)-(sitemap)-(HTML)