[معاذ الدخيل]

يعاني مجتمعنا العربي عمومًا والسعودي خصوصًا من أزمة قلة المبدعين من أبناء هذا البلد ، وهذا يُنبئك عن استمرار تخلفنا أو تراجعنا – إن أرنا تلطيف العبارة - في شتى المجالات عن غيرنا من الشعوب ، وهذا نذير شؤم على مستقبل الأمة التي عاشت وما زالت تصارع مشكلة التخلف .
لست مع من يضيق دائرة الإبداع ويختزلها في محيط الصناعة المتقدمة أو الهندسة أو الطب ، إنما هذه الأمور جزء من الإبداع بل هي أسماها ، ولكن دائرة الإبداع تتسع لكل أمرٍ حسنٍ يعود على الفرد والمجتمع بالخير والفائدة .
إن أولَ خطوة نضعها في طريق صنع المبدعين كسرُ الروتين القاتل الذي يجلب السأم والملل ويدعو إلى الكسل والخمول ، فكثير من أبنائنا لا يعرف الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه ، بل تجده قد شارف على الانتهاء من الثانوية دون تحديد تخصص يرغب بدخوله ، فتجده يسير مع رغبات زملائه أو أقاربه دون دافع داخلي إلى هذا التخصص أو ذاك .
وللتخلف مظهر آخر يبدو بلباس الحضارة ، ألا وهو تحديد الأب أو الأخ أو غيرهما مسار الابن في تخصصه الجامعي دون اعتبار لميول الطالب نفسه ، فيُجبر الطالب على دخول قسم لايرغب به والنتيجة تخريج طالب غير فاعلٍ ومبدعٍ في مجاله أو الانسحاب في منتصف الطريق ؛ لعدم رغبته بذلك التخصص .

** البيئة صانعة الإبداع ..
أكاد أجزم أن شريحة كبيرة من أبنائنا تمتلك أدوات الإبداع ، وأعني بذلك الموهبة الفطرية ، ولكن المشكلة في تطوير المواهب وصقلها ، فلا نكاد نجد بيئة حاضنة للموهوبين ، فتوأد المواهب في مهدها .
فالبيت هو الحاضن الرئيس للموهوب ، ومع ذلك لا نجد اهتمامًا من الأب أو الأم أو أحد الإخوة بتلك الصفة التي نبغ بها الطفل ، بل إنَّ ثمة دراساتٍ تؤكد على وجود ارتباط بين انخفاض مستوى الإبداع والبيئة المنزلية التي تتفنن في قتل المواهب بنقدها الدائم للفشل .
إن اكتشاف مواهب الطفل يعتبر مهارة مستقلة قلَّ من يتقنها ، وبعد اكتشاف مواهب الطفل يجب أن نشجعه على ممارسة تلك الموهبة وصقلها وتطويرها سواء بإدخاله دورات في مجال ميوله أو توفير الكتب والأشرطة التي تعينه على تطوير نفسه أو إدخاله جمعية تُعنى بالموهوبين وتهتم بهم ، فأحيانًا بل دائمًا تقتل الميول في نفس الإنسان إن لم يجد بيئة تعينه على هذه الموهبة .

وإن ذهبت إلى المدرسة فإنك واجدٌ إهمالاً عجيبًا من المدرسة والمدرس بإبداعات التلاميذ ، فقلَّ أن تجد مدرسة تهتم بطلابها المتفوقين وتقيم لهم البرامج المشجعة والدورات المطورة واللقاءات المحفزة للإبداع والتفوق .

إن ارتفاع مستوى الإبداع مرتبط بتوفير التشجيع والتحفيز في المنزل والمدرسة وغيرهما .

إن مجتمعنا بأفراده ومؤسساته قاتلٌ للمبدعين والنابغين ، ولك أن تنظر إلى نسبة البطالة المستشرية في جسد مجتمعنا لتدرك حقيقة ذلك .
فكيف تريد من فرد أن يثابر ويجتهد وهو يرى زميلاً له في نفس التخصص قدَّر الله عليه أن يتخرج من جامعته دون أن يجد وظيفة مناسبة له تليق بتخصصه ، فالطالب إذًا يرى أنه مقبل على مصيبة عظيمة ومشكلة عويصة عند التخرج !! فأنى له الفرح بالتخرج ؟!

إننا مع الأسف نتفنن في الإغراق بالجزئيات والشكليات دون اهتمام بالجوهر ، فقرأت في صحيفة الجزيرة تصريحًا لنورة الفايز تطالب فيه بزيادة ساعات اليوم الدراسي دون أن تتطرق للآلية التي يسير عليها التعليم ، وكأن مشكلتنا الكبرى تكمن في عدد ساعات اليوم الدراسي !! متجاهلة المشكلة الحقيقية التي نعانيها وهي الكيف وليس الكم .
وفي نفس التصريح طالبت بزيادة نصاب المعلم والمعلمة إلى ثلاثين أو خمس وثلاثين حصة !! مدعية أن الدراسات أثبتت أن هذا هو النصاب الطبيعي !! وفعلاً شر البلية ما يُضحك .
وعوَّض الله تعليمنا خيرًا إذا كانت هذه تصريحات مسؤوليه ، ولا أعتقد أننا سنجد تقدمًا في التعليم مادام المسؤولون منصرفين عن مهمتهم الأولى – وهي الاهتمام بمخرجات التعليم – إلى أمور جانبية شكلية لا تشكل أهمية في تطوير المخرجات .

[ذكرى وشيء من أمل~]

للاسف هذا واقعنا المرير
والمشكله محد مقدر حجم الماساة الحاصله

اشكرك على طرحك المميز

[الـصـمـصـام]

أنت هنا تتحدث عن مشكلة ، بل هي أزمة من أزمات الأمة ، و لها أسبابها المترابطها ، و تعلقاتها المعقدة ، و لكن كل المشاكل تحل من استشعارها و الإيمان بوجودها و مدى تأثيرها سلباً أو إيجابا إذا ما تم تفعيل الحلول الجذرية لها ، يقول أستاذنا الدكتور عبدالكريم بكار : " بلغت نسبة المهندسين و العلماء في البحث و التطوير في الدول المتقدمة مستوى عاليًا ، ففي اليابان هناك 40909 من هؤلاء لكل مليون شخص من السكان ، و في ألمانيا 20831 و في روسيا 30587 و في أمريكا 20448 على حين أن نسبتهم في جميع الدول الإسلامية تعد متدينة جداً . و تعد أذربيجان الأولى من بين الدول الإسلامية في نسبة العلماء إلى عدد السكان ، و قد بلغت تلك النسبة 791 شخصًا لكل مليون . و في مصر 459 و في باكستان 72 و في نيجيريا 15 و في السنغال 3 لكل مليون شخص "

انظر الفارق بين اليابان و السنغال ، إنه رقم مخيف جداً ..

أشكرك على طرحك ..

[ابو عبدالله11]

اشكرك اخي على هذا الطرح الجيد
مشكوووووور جزاك الله خير

[اليراع الأبيض]

الإشكال هنا ليس في قلة المبدعين فقد بالغت قليلاً أيها الحبيب , بل هي في توفير الجو المناسب لهؤلاء و المكان الملائم لإظهار تلك المواهب و هي ما توفق بها الغرب علينا , عندما أتكلم عن مجتمعنا لا علي من الدراسات التي تجرى على الدول الإخرى و ليست هي مقياس لكل الدول , الجامعات أيها الكريم تزخر بالطلاب المبدعين و لك في جامعة الملك فهد للبترول و المعادن مثال حي و مشاهد .

أوافقك في ذهبت إليه حين قلت أن هناك تخبط واضح عند بعض الشباب في اخيار ما يلائمهم من التخصصات و هناك قتل ضعف ثقافة في التربية مما أدى إلى هذا الحال , و الحقيقة قد لا نلوم الشباب حين يقتل إبداعهم بسبب عدم إطمئنانهم للمستقبل الذي ينتظرهم , لذلك تجد الكثير تظهر إبداعته و مواهبه بعد تخرجه و استقراره المادي , و الأمثلة كثيرة في ذلك ( مثلا : الدعيج حفظه الله يحضر لمحاضراته في التاريخ الدكاترة بينما تخصصه صيدلة )

إلى جانب ذلك هناك الكثير من مبدعينا ذهبوا للغرب لعدم توفر الدعم المادي و المعنوي سواء من الدولة أو المجتمع المحيط به و هذا كما قلت هو وأد للإبداع في مهده و خذ مثالاً ( عندما يقول طالب مثلاً ـ سأصنع صاروخاً يصل للقمر ـ و هو ذو علمية و جاد و يعلم أنه باستطاعته تحقيق هدفه , فماذا سيكون جواب مجتمعه و الدولة ممثلة بالتعليم العالي أو غيره ؟ ) لا يمكن أبداً أن يجازفون أو يدعمون , لذلك يضطر الطالب أن يدفع من جيبه لأنه غير قادر على كبت الطاقة التي بين جنبيه حتى يظهر مراده , هذا إن كان قادراً .

في أحد الجامعات السعودية طلاب في المتوسطة استطاعوا أن يبرمجوا الريوبتات في حين عجر من تخرج ممن تخصص في هذا المجال على أن يفعلوا فعلهم .

با ختصار لدينا مبدعين كثر و طاقات لا تقدر بثمن , لكن أين الدعم و التوجيه وتوفير المكان المناسب و الجو المناسب لأظهار تلك الطاقات , ابحث في الشخصيات التي حولك و غص جيداً فيها لترى صدق ذلك .

هذا على رغم وجود تعليم ضعيف عندنا يحتاج لتطوير .

وجهة نظر لا غير

بارك الله فيك أخي معاذ و نفع بك الإسلام و المسلمين

[معاذ الدخيل]

شكرًا لكل من تداخل ، ولعل لي عودة لمناقشة الآراء .