ثمةَ مواقفُ يُكتبُ لها البقاءُ في أوراقِ الذكرى ، يَعجزُ عن تمزِيقِهَا توالي الشهورِ والسنينَ ، مَواقفُ تَبقى محفوظةً وإنْ طالَ بقاؤُهَا في زاويةٍ من الذاكرةِ تنتظِرُ قافلةَ الزَّمَنِ تُقِلُّهَا حيثُ محطةُ النسيان .
وثمةَ أشخاصٌ جمعتْكَ بهم ظروفُ الحياةِ ، طَالتْ مدةُ اللقاءِ أو قصرَت ، والظروفُ نفسُهَا فرَّقت الجمعَ ، ولكنَّهم بجمالِ أخْلاقهِم ، وروعةِ تعاملِهِم ، وصفاءِ قلوبهِم خلَّدوا أسماءهم في القلوب .
تمرُّ الأيام ، وتتوالى المناسبات ، ولا سبيلَ إلى الوفاءِ بحقهم إلا رسالةٌ عابرةٌ ، أو مكالمَةٌ مقتضَبةٌ ، فقد تكون الرسالةُ معبرةً ، ولكنَّها لا تساوي لحظةً من لحظاتِ لقائِهِم .
سعيدةٌ أنتِ أيتُّها الحياةُ ، بالعيش مع مَنْ تحتضنين ، نسافرُ في فضاءاتِ صِدقِهِم ، ونُبحِرُ في أعمَاقِ نَقائِهِم .
وأجحفْتَ بِحَقِّها يا أبا العلاء حينَ قلتَ :
تعبٌ كلُّها الحياةُ فما أعْـ ## ـجَبُ إلا من راغبٍ في ازديادِ
إنْ نظرنا إلى الجانِبِ المُضيء والنماذجِ المتميِّزةِ في الحياةِ سَعِدنا ، وأَسْعدْنَا ، وأما عاهاتُ الحياة فيغادرون دون أن يحجزوا مقعدًا في الذاكرة ، فلِمَ يُلتفت إليهم ما دامت الذاكرةُ والقلوبُ تلفظهم ؟ لا تلتفتوا إليهم فالزمنُ كفيلٌ بِنسيانِهم .
تحياتي ،،